الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

بعض من الواقع

عبد الكريم النّاعم

بعض الذين يعلّقون على ما أنشره، وأرجّح أنّهم يقولون ما يقولون، في تعليقاتهم، ببساطة، ودون خلفيّات مشبوهة، كالظنّ أنّه تحطيم للمعنويّات، أو لإثارة كلّ ما يُحبِط، والذي يعنيني من كلّ ذلك أنّني حين أنشر زاوية تتعلّق بفضح بعض ما مضى، أو بما كنّا عليه، أو بالتّحريض على الخروج ممّا نحن فيه، أو بإضاءات تاريخيّة، فليست غايتها الوقوف عند الماضي، بل التحفيز لبناء المستقبل، أو حتى حين نتطرّق لمواضيع هي من صميم الحياة، وإنّ بدت أنّها لا علاقة لها بمفردات الحياة اليوميّة، لهؤلاء، ولمَن يرى رأيهم أقول.

أنْ نتجمّد عند واقعنا الحالي، وهو واقع مرير بكلّ المقاييس، فذلك يعني أنْ نوقف الزّمن، وهذا مخالف لطبيعة الحركة التي لا تتوقّف، والتوقّف، والتجمّد عند حدّ معيّن، هو دخول في الموت، وذلك ما يطالب بشبيه له جماعة الإخوان المسلمين، ومَن يدور في فلكهم، والذين يريدون أنْ نسافر نحو الخلف، نحو زمن افتراضي غير موجود حقيقة، بل هم يدعون (الإخوان) إلى زمن منقّى من كلّ شائبة، بينما أزمنة تاريخنا المُمَجّدة عندهم مليئة بالشوائب، وتكفي العودة الموضوعيّة لتلك الأزمنة لنرى فيها ما في تواريخ الأمم من اغتيالات، وتكفير، وظلم، ونهب،.. وهذا ما يجعل الإخوان مقبولين من قيادات الغرب، وزائدته الدوديّة إسرائيل.

لنتصوّر أنّ الجميع لم يعد لهم من شأن إلاّ الحديث عن السلبيّات التي امتدّت، وتراكمت، واتّسعت، فما الذي نجنيه من ذلك؟!! لن نجني إلاّ الأسى، والانكسار، وهذه مفردات ليست من قاموس الحياة، ولا من قاموس ما نطمح إليه.

هذا لا يعني أنّني متصالح مع المجريات، وإلاّ أكون قد خرجتُ من إنسانيتي التي أحملها، ومن وطنيّتي التي أعتزّ بها، ومن قوميتي التقدميّة، بمعناها الإنساني.

أنا، إضافة إلى ما تشكون منه، كان من أقداري أن أكون كاتباً وأديباً، ولستُ ادّعي امتيازاً في ذلك، بل أرى فيه أنّ في أعماق ما أنا مثلهم، أرى في ذلك رهافة في الحسّ، لا يعرفها إلاّ مَن شرب من ذلك الماء، وأقول صادقاً كم يؤرّقني ما أشاهده من إطلالة بيتي من مناظر فرضتها ظروف عشريّة الخراب، وما بعدها، وهي مناظر ربّما تعرّضتُ لبعضها فيما نشرت.

ما سبق يطرح ضمناً سؤالاً مهمّاً وهو هل ما يُشتغَل عليه من قِبَل الجهات الرسميّة، وغير الرسميّة المعنيّة، هل هو كافٍ؟!!.

ثمّة مَن يرى أنّ الجهات المعنيّة ذاتها لا تدّعي أنّه كافٍ بل هو الأقلّ، وأنّ ما يمرّ به الناس من مواجهات شؤون الحياة يطلب ما هو أكثر من ذلك، وضمن حدود الممكن، إذ لا يمكن اجتراح ما لا يمكن تنفيذه، فنحن لم نخرج من الحرب التي خضناها بشرف، وشهد لنا أعداؤنا بالصمود وكسر إرادة الذين شنّوا تلك الحرب الظّالمة، نحن جمّدنا إرادة المعتدي ولم نمكّنه من تحقيق مبتغاه، ويكفي في هذا المجال أنّ ننظر إلى البلدان العربيّة التي كانت مستهدَفة، ليبيا، السودان، العراق، ونُجري بعض المقارنات، وهذا ليس ادّعاء ولا تبجّحاً، بل هو واقع حيّ ملموس، ويكفي أن نعيد للذاكرة أنّ “قَطَر” وحدها قد أنفقتْ ستّةً وثلاثين ملياراً، دُفِعت للمسلّحين، وللعملاء المستورين، لتدمير سوريّة، وتفتيتها.

إنّ ذلك الصمود الرّائع الذي حقّقتْه قواتنا المسلّحة، والرديف الذي آزرها ودفع آلاف آلاف الشهداء يستحقّ أن نبتكر الحلول، وأنْ نبحث عن كلّ ما يساعد على تخفيف ما تواجهه الشريحة العامّة من أبناء مجتمعنا السوري، ولن يغفر الناس ولا التاريخ للذين كان كلّ همّهم أن يكونوا بمنجاة، وإثراء وكفى.

aaalnaem@gmail.com