الصفحة الاخيرةصحيفة البعث

“السكلوب”.. و”الشيزوفرينيا”!

حسن حميد

أجل، إنني أسأل بحرقة وألم، من قال إنّ “السكلوب” الكائن الوحشي، في أساطير الإغريق، صاحب العين الواحدة في وسط جبهته، الذي امتلك صفات شيطانية، منها القوة العمياء، والجسد الضخم، والتهام لحوم البشر، فراح يقتل، ويجرح، ويخيف، ويرعب، ويطارد، ويسجن من دون أن يقيم وزناً لقانون إلهي أو بشري.. من قال إنه مات على يد يوليسيس، كما قالت الأسطورة؟ لا لم يمت، أجزم بأنه لم يمت، ها هو يظهر في البلاد الفلسطينية، ليقتل منذ عام ١٩٤٨ ويجرح، ويُخيف، ويُرعب، ويطارد، ويسجن أبناء الشعب الفلسطيني، لأنهم يغنون في يقظتهم، ونومهم: موطني، موطني!.

ها هو “السكلوب” يظهر مجدداً في جنين الآن، وفي مخيّمها تحديداً، فيدمّر، ويخرّب، ويقتل، وينشر الرعب والخوف في أرجاء المخيّم، ها هو يقتل تسعة من أبناء المخيّم، من بينهم امرأة عمرها ستون سنة، ويجرح أكثر من عشرين آخرين، إصابات بعضهم خطيرة جداً، وما من إدانة أو شجب، أو اعتراض من دول العالم التي تدّعي المدنيّة، والحضارة، وحماية حقوق الإنسان، وحماية حقوق الشعوب والأمم في العيش بكرامة وسيادة، وكأن هذه الدول تعيش حالاً من حالات “الشيزوفرينيا” التي بتنا نحسّ كما لو أنها سلوكية أبدية للتعامل مع هذا “السكلوب” المتوحش، فلا أحد يقول له كلمة لا، ولا أحد يوصّف ممارساته الدموية العنصرية الباطشة بحق شعب يريد الحرية، والعزة، والعيش بكبرياء في وطن بناه وصانه وحماه منذ آلاف السنين.

أيّ عماء هذا الذي تعيشه بلاد الغرب التي تتباهى بما طرحته ثوراتها، وما قالته آدابها وفنونها، وأيّ خرس مخجل عميم عرفته، عمره مئة سنة أو أزيد، لا ينطق بحرف تجاه إرهاب الصهاينة الذين جعلوا مقابر الفلسطينيين أوسع وأكبر من قراهم، وأيّ صمم ثقيل مقيت هذا الذي لا تسمعه أقمارهم الصناعية الجوّالة، حين تبكي الأمهات الفلسطينيات، وأيّ شناءة يقترفها الغرب القوي، ويجاهر بها ضد الشعب الفلسطيني الذي يصرخ  في كلّ جهات الأرض مطالباً بالحرية، والكرامة، والسيادة.

إنها “الشيزوفرينيا” التي تعيشها دول الغرب منذ مئة سنة، وحتى هذه الساعة، فلا تريهم لوثات شيطنة السياسات الإسرائيلية بحقّ كلّ حيّ ونبيل وسام يعيش فوق الأراضي الفلسطينية.

كنت أظنّ أن “الشيزوفرينيا” حال تصيب الأفراد فقط، وإذ بها حال تصيب سياسات الدول أيضاً، لقد عتبنا على بعض الكتّاب والأدباء والصحفيين والفنانين الذين عانوا من “الشيزوفرينيا”، وقلنا لهم عليكم أن تتحرروا من هذه الحال المرضية، وأن تروا وتسمعوا جيداً، فالكيان الصهيوني، هو إسبارطة الجديدة، التي تريد تدمير روح العدالة، والحضارة، والمدنيّة، كما تريد خراب الدورة الدموية للآداب والفنون، بثقافة القوة والعماء!.

بعضهم تراجع عن أقواله، وبعضهم ندم، وبعضهم ما عاد لتكرار فعلته السوداء، بعدما مسّتهم يد الشفاء من حال “الشيزوفرينيا” المتحيزة والمنحازة لألف سبب وسبب!.

مجازر إسرائيلية، مثل مجزرة مخيّم جنين في هذه الأيام، اقترفت بحق الفلسطينيين، أعادتهم إلى صوابهم، حين خرجوا من دائرة التعصب والعماء! فقتل الفلسطينيين وتشريدهم، ونسف بيوتهم، واعتقالهم، ودفنهم في مقابر الأرقام، وشلّ حريتهم، واتهامهم بما ليس فيهم ليست أحداثاً تجري فوق مسرح عبثي أبداً، فالشواهد اليومية على إرهاب الإسرائيليين وعنصريتهم، ها هي بادية دانية  لكلّ من يمتلك عينين باصرتين!.

في الأساطير الإغريقية، لم نر أحداً ناصر “السكلوبط، ولم نسمع بأحد أيّد ممارساته أو سكت عليها، فكيف الآن تسكت بلاد غوته، وديكنز، وموباسان، وبيكاسو، وفان غوغ، وبوكاشيو.. عما تراه من ممارسات إسرائيلية دموية عنصرية غايتها التطهير العرقي والإبادة الوحشية للشعب الفلسطيني، أما من خجل غربي مفاجئ، أما من عاقل، يقول للعالم أجمع، إن “السكلوب” المتوحش، صاحب الجثة الضخمة، والعين الواحدة، الذي لا يحفل بقانون إلهي أو بشري، ظهر مجدداً في البلاد الفلسطينية، وهو يقتل، ويشرّد، ويرعب ويسجن، ويجرح، ويلتهم اللحم البشري، منذ مئة سنة وأزيد!.. أما من أحد؟!!

hasanhamud55@yahoo.com