زواياصحيفة البعث

بلينكن.. وأمن “إسرائيل” الموهوم

علي اليوسف 

عندما يتعلق الأمر بأمن الكيان الصهيوني تعود الحركة الدبلوماسية الأمريكية للنشاط من جديد، فقد وصل وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن إلى المنطقة في خضم دوامة العنف التي تجتاح الأراضي الفلسطينية المحتلة، والهدف هو استخدام النفوذ الأمريكي لخفض التوتر بعد العملية الاستشهادية التي قام بها خيري علقم، داخل مستوطنة “النبي يعقوب” في القدس المحتلة.

وما دامت الزيارة خاطفة، فإن الهدف لا يحتاج الى الكثير من الشرح والإسهاب، لأن ما وراء الزيارة يخفي الحقيقة الراسخة بأنّ أمن الكيان الصهيوني خط أحمر بالنسبة للولايات المتحدة، وإذا اضطر الأمر قد يأتي الرئيس الأمريكي بنفسه وليس وزير خارجيته.

بعد العملية البطولية التي قام بها خيري علقم، وقبلها العديد من العمليات الفردية، بات من الواضح أن حدود ضبط النفس الذي تطلبه الولايات المتحدة لن تجدي نفعاً مع الإجرام الإسرائيلي المتزايد ضد الشعب الفلسطيني، والذي كان السبب الرئيسي في تعزيز روح المقاومة الفردية بعيداً عن التنظيمات الفلسطينية المؤطرة، بل المقيدة بحدود التفاهمات المفروضة عليها من الخارج.

لذلك فإن المناورة المتاحة لوزير الخارجية الأمريكي تبدو محصورة ضمن حدود الدعوات إلى الهدوء في وقت يبدو الصراع الفلسطيني الإسرائيلي في طريق مسدود. وما دامت الزيارة محصورة هكذا، فربما تكون هناك إشارة ما إلى عزم واشنطن استئناف العلاقات مع نتنياهو الذي عاد إلى السلطة على رأس حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ “إسرائيل”، لما له من تأثير كبير في أوساط الصهاينة الأمريكيين.

وما يعزّز هذه الفرضية هو عدد الزيارات على مثل هذا المستوى الرفيع، والذي يوحي باحتمال قيام نتنياهو بزيارة للبيت الأبيض يجري التحضير لها في شباط الحالي، حيث اتضحت ملامح مسارات التودّد الأمريكي حين زار مستشار الأمن القومي جايك ساليفان فلسطين المحتلة قبل بلينكن ليؤكد لنتنياهو دعم الولايات المتحدة.

من هنا فإن الزيارة بأهدافها المعلنة لن تحقّق أي تقدم بشأن قدرة واشنطن على التأثير في مجرى الأحداث، وأفضل ما يمكن التوصل إليه هو أن يستقر الوضع ما دامت الزيارة لا تشير إلى أي تغيير في الموقف الأمريكي حيال الصراع. أما في الأهداف غير المعلنة، فإن زيارة بلينكن تشير إلى عزم واشنطن معاودة العلاقات سريعاً مع نتنياهو، باستخدام الخطاب التقليدي المسكن نفسه لآلام الفلسطينيين بأن النشاط الاستيطاني الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة يعتبر عقبة أمام السلام، وأن الفلسطينيين يجب أن يشعروا بالأمن في منازلهم، وضرورة بناء الأساس لمزيد من الإجراءات الإيجابية للمضي قدماً نحو حلّ الدولتين، وغير ذلك من الكذب الممجوج.

لذلك، لن يلقى هذا الخطاب التقليدي آذاناً صاغية لدى الجيل الشاب من الفلسطينيين، لأن هذا الجيل بات على قناعة أنه ليس هناك جهود دولية لتفكيك الاحتلال وأنظمة الاستيطان، وأن استمرار معارضة دفاع الشعب الفلسطيني عن وجوده وحقوقه المشروعة هي سياسة تشجع المحتل الإسرائيلي على ارتكاب المزيد من الجرائم وانتهاك القانون الدولي بعد استنفاد كل الوسائل لوقف انتهاكات الكيان الصهيوني، ومن هذا المنطلق لن يقبل هذا الجيل الشاب استمرار الاحتلال إلى الأبد، وبالتالي فلننتظر مزيداً من عمليات المقاومة الفردية، وربما في وقت لاحق الجماعية.