مجلة البعث الأسبوعية

أهل الاختصاص يؤكّدون استحالة حدوث تسونامي في “المتوسط”: بحر مغلق بعرض صغير جداً

“البعث الأسبوعية” – مروان حويجة

كثرت وتضاربت التأويلات والتكهنات والإشاعات التي رافقت الزلزال الكارثي بموجاته وهزاته الارتدادية حول اتساع بؤرة الخطر المحتمل بأحاديث وتحذيرات مخيفة عن تسونامي محتمل يجتاح المنطقة الساحلية، وهذا – للأسف – فاقم من الهلع الذي خلفّه الزلزال الكارثي الذي ضرب محافظة اللاذقية مخلّفاً مئات الضحايا والإصابات والانهيارات والأضرار الفادحة.

الدكتور علي شحود رئيس قسم الجيولوجيا في جامعة تشرين أوضح لـ “البعث الأسبوعية” أنّ الزلزال ظاهرة طبيعية وتعدّ منطقة الأناضول من أكثر المناطق نشاطاً زلزالياً، وهذا الصدع الأناضولي له علاقة مباشرة مع الصدع المشرقي الذي يخترق السلسلة الساحلية من الجنوب إلى الشمال، وتقع اللاذقية على هذا الصدع، ويعدّ من أخطر الصدوع وهو السبب الرئيسي للحركات الزلزالية في الساحل ويمتدّ من خليج العقبة حتى تركيا بطول ١٣٠٠ كم، والهزّات التي ضربت اللاذقية هي هزات ارتدادية وتحدث بعد الزلزال الأساسي عادة ولا داعي للخوف، وعادة يسبق الزلزال هزّات سابقة له أحياناً نشعر بها وأحياناً تكون ضعيفة الشدّة لا يشعر بها الإنسان، وعن احتمالية حدوث تسونامي أوضح د.شحود أن تسونامي يحدث غالباً في المحيطات وأسباب حدوثه أربعة:

أن يحدث الزلزال تحت المحيط أو نتيجة الانزلاقات الأرضية في المحيط، وأن يكون الزلزال قوياً لا يقل عن 6,5 درجات على مقياس ريختر حدوث الزلزال على عمق ضحل أي أقل من 70 كم تحت سطح الأرض، وأن يتسبب الزلزال بحركة عمودية لقاع البحر أو المحيط وأن يتسبّب في نزوح الكتلة المائية، وتعدّ المنطقة الساحلية (اللاذقية، طرطوس) المنطقة الأخطر زلزالياً لأنها تقع على الصدع المشرقي وهو الصدع الأخطر من الناحية الزلزالية، ولا توجد علاقة بين الزلزال على الأرض والتسونامي، وتقاس الشدة الزلزالية بمقياس ريختر: من 4-2 درجات على مقياس ريختر ضعيفاً وقليلاً لشدّة من 6-4 درجات متوسط الشدة، من 8-6 درجات شديداً، وعادة تحدث الزلازل على حدود الصفائح المتحركة وسورية تقع على الطرف الشمالي الغربي للصفيحة العربية وهي في حالة حركة باتجاه الشمال الشرقي نحو الصفيحة الأناضولية والحدود بين الصفائح ثلاثة أنواع:

– متقاربة أي تتقارب (ترتطم) الصفائح من بعضها وتتشكل السلاسل الجبلية،

– متباعدة أي تتباعد الصفائح عن بعضها وتتشكل الوديان الانهدامية،

– انزياحية تنزاح الصفائح قبالة بعضها إلى الأمام والخلف، وهذه الحدود بين الصفائح هي مركز للنشاط الزلزالي.

وقال د. شحود: عندما تتكرر الهزات الارتدادية خلال فترات قصيرة وبدرجات متصاعدة في الشدة يحتمل حدوث زلزال بقوّة شديدة في المرات القادمة، ويؤكد شحود أنّه علمياً من المستحيل حدوث تسونامي في المتوسط ومن رابع وخامس المستحيلات لأن المتوسط بحر مغلق بعرض صغير جداً، والقاع في أعمق حالاته لايكفي لحدوث ظاهرة تسونامي، والمطمئن أكثرفي هذا المجال يكمن في وجود جزيرة قبرص أمام الساحل الشرقي للمتوسط عملياً.. وهي تقوم بعمل كاسر الأمواج التراكمية ومانع تشكل الارتداد، أما المسافة بين ساحل طرطوس وقبرص فلا تكفي حتى لتشكل ظواهر المحيط العادية، كما أنّ تسونامي يحتاج إلى محيط مترامي الأطراف وأعماق سحيقة مرعبة وكبيرة جداً.

إضافة إلى ذلك لا يمكن وقوع زلزالين متتاليين بسبب تمركز الصفائح بشكل متناسب يملأ بعضها البعض ومن الممكن حدوث ارتدادات خفيفة، وجميع الأبحاث العلمية تؤكد أنّه لا توجد طريقة لتحديد موعد الزلازل كما أنّ حدوث الهزات الارتدادية أمر طبيعي وشدّتها تنخفض تدريجياً.

وفي الجزء الأول حصل أكثر من 36 هزة حتى الساعة السابعة صباحاً حدثت على طول صدع شرق الأناضول الذي يتصل مع صدع البحر الميّت التحويلي. ما يسمى صفحة الأناضول يعاني من حركة مستمرة نحو الغرب نتيجة للضغط المستمر للتصادم الناتج بين الصفيحة العربية والصفيحة اليوروآسيوية حيث يحد صفيحة الأناضول صدع الأناضول الشمالي.

الهزة الأرضية التي حصلت صباح يوم ٦ شباط ٢٠٢٣ في جنوب تركيا بقوة 7.8 درجات وهي عبارة عن زلزال كبير أثر في المنطقة كلها من تركيا إلى سورية ولبنان والأردن ومصر والعراق وقبرص، حيث تقع منطقة بلادالشام في الطرف الشمالي من الانهدام الإفريقي السوري الكبير الذي يبدأ من البحر الأحمر في الجنوب ويستمرّ شمالاً عبر خليج العقبة والبحر الميت وبحيرة طبريا والبقاع اللبناني والجزء السوري ويستمرّ شمالاً عبر مصياف وسهل الغاب في شمال غرب سورية حتى الأراضي التركية، حيث بحيرة العمق في الغرب ويمتدّ هذا الانهدام أكثر من 1000 كم علماً أن الصفيحة العربية تتحرك نحو الشمال بحوالي 2 سم في منطقة البحر الأحمر وبحدود ١١ ملم سنوياً في شمال غرب سورية حيث يتولّد الزلازل نتيجة الضغوط المتراكمة عبر هذه الحركة كما يتفرع عن الصدع الرئيسي مجموعة من الصدوع نذكر منها صدع سرغايا وصدع دمشق وصدع راشيا وحاصبيا وصدوع السلسلة التدمرية وصدع النبك وصدع الجهار وصدع اليمونة وصدع اللاذقية – كلّس.

أما حول التكرار التاريخي للزلازل فإنه كل 250-350 سنة يمكن أن يحصل زلزال كبير على هذا الانهدام والصدوع المتفرعة عنه علماً أن التكرارية والشدة متغيّرة حسب طبيعة كل صدع، كما أنه من المعروف للمختصين في هذا المجال أن الحيوانات لها حساسية عالية لسماع تغيّرات أصوات الحركات الأرضية فتتصرف بغرابة وتصدر أصواتاً غير معتادة وهنا كدراسات عالمية لدى بعض الدول في هذا المجال، وفي الحقيقة الأهم من التنبّؤ بالزلازل هو العمل على بناء المنشآت والأبنية البرجية والسكنية والسدود وغيرها بشكل آمن لتحمّل الزلازل بدرجات تناسب كل منشأة، وذلك من خلال الدراسات الجيوفيزيائية الهندسية والسيزمية الجيوهندسية الداعمة لعمل المهندس الجيوتكنيكيو المدني لجعل المنشآت مستقرّة زلزالياً.

ولدى سؤال الأستاذ الدكتور مظهر أحمد البايرلي دكتوراة في الجيوفيزيا (علم الزلازل) من جامعة سوانزي بالمملكة المتحدة والأستاذ في كلية العلوم والجيولوجيا، قال: الزلزال هو تحرّك القشرة الأرضية المؤلّفة من صفائح تكتونية وقد يحدث في بعض الصفائح عبر الصدوع الموجودة فيها. فمثلاً الصفيحة العربية يوجد فيها عدد من الصدوع أهمها صدع البحر الميّت وصدع كيلليس اللاذقية وصولاً إلى صدع شرق الأناضول.

ويتم تقدير شدة الزلازل بواسطة مقياس ريختر الموضوع من قبل العالم تشارلز ريختر عام 1935 وبناء عليه فإن الزلازل بقوة 1.9وما دون تعدّ مجهرية وتلك بقوة 3.9 وما دون تعدّ ضئيلة والتي تصل قوتها إلى 4.9 تعدّ خفيفة والمتوسطة تبلغ شدّتها كحدّ أقصى 5,9، أما الزلازل الشديدة فقد تصل قوتها إلى 6.9 والشديدة جداً إلى 7.9 في حين تعدّ الزلازل مع قوة 8 وما فوق هائلة.

وبيّن د. البايرلي أنّ الجميع بالزلازل المتوسطة الشدة والتي تفوقها، لكن متوسطة الشدة لا تعدّ مدمّرة إلا للأبنية الضعيفة الأساس المعماري في حين أن الزلازل الشديدة والشديدة جداً  تعدّ مدمّرة حتى للأبنية ذات الأسس المعمارية السليمة، وبما أن سورية تقع في منطقة كانت ولا تزال نشطة زلزالياً عبر السنين فإنّ حدوث زلزال هو أمر متوقّع ولكن لا يمكن الجزم بتوقيت حدوثه تماماً فقد مرّ على هذه المنطقة عدة زلازل مدمّرة أشهرها زلزال حلب الذي صنّف كرابع أخطر زلزال في العالم وبلغت قوته 8.5 على مقياس ريختر بتاريخ 11-10-1138م.

ويوضح د. البايرلي أنّه بالنسبة لصباح يوم 6-2-2023، حدث زلزال بقوة 7.8 على مقياس ريختر بعمق 10 كم في منطقة غازي عنتاب التركية المتاخمة للجزء الشمالي من سورية عند الساعة 4:17 صباحاً حسب التوقيت المحلي امتدّ تأثيره ليشمل سورية وكان ذا فعل مدمّر في المنطقة الشمالية الغربية من سورية ولم يسجّل مثله المركز الوطني للزلازل منذ تأسيسه، وحدث الزلزال على طول صدع شرق الأناضول وبشكل أكثر دقة بمكان تقاطع صفيحة الأناضول مع الصفيحة العربية وصفيحة إفريقيا تلاه عدة هزات ارتدادية كان أشدّها الذي تلاه بحوالي 10 دقائق بقوة 6.7 وعمق 10 كم أيضاً في منطقة غازي عنتاب وجبال طوروس أمّا باقي الهزات فتراوحت من خفيفة إلى متوسطة وتجاوز عددها الـ60 هزة وتوزعت بين تركيا وسورية ولبنان، وحالياً عند الساعة 13:24حسب التوقيت المحلي بتاريخ 6-2-2023 حدثت هزة ارتدادية أخرى شديدة جداً بقوة 7.5 على مقياس ريختر بعمق 10 كم وسط تركيا شعر بها أهالي شمال غربي سورية تلاها هزتان ارتداديتان متوسطتا الشدة ويعدّ ما حصل أمراً غير معتاد حيث يندر أن تكون الهزة الارتدادية بقوة مماثلة للهزة الأساسية.

أمّا بالنسبة للتسونامي فهو عبارة عن تصدّع في قاع البحر ما يسبّب حدوث موجة مياه مرتفعة غالباً مايحدث في المحيطات ويندر حدوثه في البحار. وبما أنّ الزلزال حدث على اليابسة فإن احتمالية تسبّبه بحدوث تسونامي ضئيلة جداً في المنطقة، لكن في حال حدوثه يجب أخذ الحيطة بالابتعاد عن الشاطئ بمسافة لا تقل عن 1 كم والاتجاه للأماكن المرتفعة عن سطح البحر. ويقول د.البايرلي: في حال شعورك بالهزّة وأنت داخل المنزل يجب عدم الهلع والتوجّه إلى النقاط ذات الأساس المتين في المنزل مثل عتبات الأبواب والابتعاد عن النوافذ والزجاج والأثاث المتحرك وحماية الرأس باليدين مع التأكد من إنزال قواطع الكهرباء وإغلاق أنابيب الغاز المنزلي، وفي حال كان البناء ضعيفاً يمكن مغادرته بعد انتهاء الهزة والتوجّه إلى الأماكن المفتوحة بعيداً عن الأبنية والأشجار وأسلاك الكهرباء مع اصطحاب الأوراق المهمّة وضوء كشاف. في حال كنت تقود سيارتك يجب ركنها على طرف الطريق بعيداً عن الأبنية.

وكان للباحث الأستاذ الدكتور عادل عوض، عضو اللجنة الدائمة للزلازل والاختصاصي الخبير في تخطيط المدن المعرّضة للزلازل، رأيه العلمي في الزلزال الذي حصل وما يُثار عن تسونامي فقال: ما حدث اليوم صباحاً باكراً من زلزال قوي شدّته 7,5 على مقياس ريختر مركزه في غازي عنتاب جنوب تركيا وما تبعه من ارتدادات قوية في حلب واللاذقية وطرطوس وحماة وجبلة هو نتيجة النشاط التكتوني للفالق العربي الإفريقي الذي يمتدّ من جنوب تركيا ويقطع سورية ومن ثمّ لبنان والأردن وفلسطين وخليج العقبة ويستمر في إفريقيا حتى المحيط الأطلسي وطوله ألف كم ثم تبعه بعد ساعات عند الظهر في جنوب تركيا زلزال آخر قوي شدّته 7,7 ريختر شمال غازي عنتاب وكانت له ارتدادات زلزال قوية في نفس المناطق السورية وهذا الزلزال يعدّ الأقوى بين الزلازل المسجّلة التي ضربت سورية منذ أكثر من 100 عام. والزلازل الارتدادية التي حصلت وستحصل يستمر نشاطها حتى 10 أيام على الأكثر وفي حالة الزلازل الارتدادية القويّة تكون الساحات والسيارات هي الأكثر أماناً ومن حيث الزلزال القويّ جداً الذي شدّته 8 درجات على ريختر أو أكثر كما أشيع هو مستحيل الحدوث في المناطق النشطة المذكورة أعلاه.

أمّا ما يخص زلازل تسونامي في البحر المتوسط فهي مستحيلة لأن مراكز الزلازل القويّة على اليابسة بالإضافة إلى أنّ حدوث موجات تسونامي في البحر المتوسط له شروط صعب تحقيقها في البحر.