مجلة البعث الأسبوعية

من جيوب الأمريكيين .. واشنطن تدعم الحصان الخطأ

“البعث الأسبوعية” – هيفاء علي

بعد الإخفاقات الكارثية في فيتنام والعراق وأفغانستان، اختارت الإمبراطورية الأمريكية الآن أن تخوض الحرب في أوروبا، وهي ليست حرباً ضد القبائل التي ترتدي الصنادل، ولكن ضد قوة عظمى بجيش محترف، وأحدث الصواريخ، وطائرات بدون طيار، وصواريخ تفوق سرعة الصوت في العالم. هذه الحرب تدور في الريف على الحدود الجنوبية الغربية من روسيا، تسمى أوكرانيا. بعد فشل محاولتها احتلال ميناء سيفاستوبول البحري في شبه جزيرة القرم والسيطرة على البحر الأسود، حولت الولايات المتحدة المعتدية أوكرانيا إلى محاولة فاشلة أخرى لفرض هيمنتها العالمية.

حمام دم بخموت

حالياً، يتركز الاهتمام على بلدة تسمى بخموت، في جنوب شرق أوكرانيا، وهذه البلدة كان عدد سكانها قبل الحرب 73000 فقط، على الرغم من أنها كانت مركز طريق إقليمي. ومع ذلك، فقد منحها الغرب أهمية حيوية، بل ووجودية. عندما تنهار باخموت حتماً في الأسابيع المقبلة، مع تدمير أو تحييد جزء كبير من الجيش الأوكراني، يمكن تحرير جزء كبير من النصف الجنوبي الشرقي من أوكرانيا على يد القوات الروسية. حتى أن البعض يتنبأ بسقوط أوكرانيا بأكملها بعد تحرير باخموت. حالياً، أوكرانيا محاطة بما يقرب من 700000 جندي روسي، وبما أنهم لا يشاركون في القتال في بخموت أو في أي مكان آخر، فمن المفترض أن يتم الاحتفاظ بهم لتشكيل جيش مستقبلي بعد تحرير بخموت، حيث سيعيد الحرية والحياة الطبيعية لجميع الأوكرانيين الذين يريدون الخروج من عزلتهم التي فرضها الغرب، والانضمام إلى أوكرانيا الحرة المتحالفة مع الاتحاد الروسي، وبيلاروسيا، والعالم الحر للمنظمات الدولية مثل الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، و مجموعة بريكس و منظمة شنغهاي للتعاون، إذ تمثل كل هذه  الكتل 88٪ من سكان العالم، الذين يشكلون الشمال العالمي، والجنوب العالمي، والشرق العالمي.

جرائم الحرب الغربية

منذ اندلاع حرب المحافظين الجدد في أوكرانيا عام 2014، قُتل أكثر من 160 ألف جندي من كييف، بل عدة آلاف من المرتزقة، وخاصة البولنديين، وفقدت كييف حوالي 50 ٪ من بنيتها للطاقة، وبلغت ديونها 3 مليار دولار شهريا.  منذ عام 2014، تم تهجير 16 مليون أوكراني، 10 مليون إلى بلدان مختلفة في أوروبا بما في ذلك روسيا، و6 ملايين هجرة داخلية.

إن الدعم الغربي لأوكرانيا، الدولة الأكثر فساداً في أوروبا، لن يقدم شيء للإدارة الأمريكية المتورطة في ارتكاب جرائم الحرب بحق شعوب كل الدول التي شنت الحروب عليها، والانحدار الاقتصادي، ووباء المخدرات، وإطلاق النار الجماعي، ونظام الرعاية الصحية المنهوب من 40 مليون فقير، والكوارث العسكرية في فيتنام وأفغانستان.

من هنا إن الصراع في أوكرانيا هو في الواقع الحرب العالمية الثالثة، حرب بالوكالة تقودها واشنطن ضد روسيا، لكن روسيا ستواصل القتال حتى لا تشكل القوات المسلحة الأوكرانية، وكل من حمل السلاح وقاتل الروس على مدى 9 أعوام، أي تهديد لأي مواطن روسي.

بالتأكيد يتوقع بعض المحللين مرحلة عسكرية ثانية بين إيران والكيان الإسرائيلي، وربما يكون هناك مرحلة ثالثة بين الصين والولايات المتحدة بحجة أوكرانيا الصينية، أي تايوان. بعد الانتصار الروسي في أوكرانيا، سوف يتم تفادي كل شيء، لأن هذا الانتصار سوف يمنح العالم الغربي قوة التفكير العميق، إذ من خلال الهزيمة الساحقة للغطرسة الغربية يمكن تجنب المزيد من المغامرات المجنونة، وخاصة النووية منها.

مغادرة أوكرانيا

إذا انتصر الخير، فإن الولايات المتحدة ستتخلى عن أوكرانيا، فعلى سبيل المثال، قد يكتشفون فجأة أن أوكرانيا فاسدة وأن زيلينسكي وزمرته سرقوا هذه المساعدات الأمريكية ، ومثل أي رجل عصابات من أمريكا اللاتينية حملته المخابرات المركزية إلى السلطة، وهذا هو السبب في أن كييف تخسر الحرب.

لذا، ستضطر الولايات المتحدة إلى “صنع كابول”، كما ستقوم بوقف إرسال أي إعانات إضافية لأوكرانيا، والتي تسببت في فسادها، ويمكنها بعد ذلك التركيز على المشكلة الحقيقية، أي الصين. وستترك أوروبا للتعامل مع عواقب إجبارها على دعم الحصان الخطأ في أوكرانيا، حيث سيندفع القادة الغربيون إلى موسكو لإلقاء اللوم على الولايات المتحدة في الكذب عليهم.

فيما يتعين على الادارة الامريكية إدراك مسألة نقص القوى العاملة هذا العام لالتزام الوحدات الأجنبية من دول الاتحاد الأوروبي بأي شكل، سواء بإرسال مستشارين عسكريين، أو أعضاء وحدات الصيانة، أو تعزيز “الفيلق الأجنبي” وشركات المرتزقة، لكن إذا أرادت واشنطن وحلفاؤها “مواصلة الحرب” في عام 2023 أو 2024، يجب بالطبع “تهيئة” السكان الأوروبيين لهذا الالتزام المحتمل للوحدات.

أما ما هو مُلح، على المستوى الإنساني، هو تحديد الظروف التي تجعل من الممكن وضع حد لهذا الصراع، ويتطلب ذلك تحديد شروط اتفاق وقف إطلاق النار بالنسبة لكل محارب. وبالتالي، يكمن الحل الوحيد في إقامة هدنة في أسرع وقت ممكن، ثم وقف إطلاق النار، وفتح الطريق أمام مؤتمر سلام دولي تحت رعاية الأمم المتحدة، ومنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. قد يكتب البعض أن روسيا لا يمكنها أن تربح الحرب في أوكرانيا إلا إذا تمكنت من مساعدة الولايات المتحدة في حفظ ماء الوجه بعد هزيمتها ثم انهيار الناتو والاتحاد الأوروبي، فهل يتذكر هؤلاء هزيمة الأمريكيين عقب تحرير مدينة “سايغون” على أيدي الجيش الفيتنامي عام 1975 معلناً نهاية الحرب، وهل يتذكرون كيف أعلن بوش أن مهمته أنجزت في حربه العالمية على الارهاب؟.

بوسع الأمريكيين الهروب قائلين: “انسوا أمر الأوربيين إنهم لا يستحقون أي شيء، واسعوا إلى العزلة الذاتية والعودة إلى الجزيرة الكبيرة بأمريكا الشمالية”. لكن إذا كانت الإدارة الأمريكية ترغب في ذلك، فما عليها سوى بناء جدار ترامب الموعود منذ فترة طويلة على الحدود المكسيكية، والبدء في محاولة التعامل مع المشكلات الداخلية الضخمة التي يعاني منها الأمريكيين مثل الفقر المدقع، والانقسام العرقي، وحيازة السلاح، وتراكم والديون، والظلم الاجتماعي، ونقص الرعاية الصحية، والبطالة، والاستغلال، ونظام التعليم، والمخدرات، والجريمة، والسجن الجماعي، ولتدع الأوروبيين يدبرون أمورهم بأنفسهم.

لكن المشكلة الوحيدة هي أن الولايات المتحدة لا تعترف أبداً بالفشل، ولا تعترف أبداً بأنها دعمت الحصان الخطأ بتكلفة باهظة من جيوب الامريكيين.