صحيفة البعثمحليات

قادرون؟!

بشير فرزان 

مزّقت الفاجعة التي خلّفها الزلزال الخرائط والمخططات التقسيمية بين أبناء البلد الواحد، ووحّدت مساراتهم نحو الأخوة والإبقاء على وحدة الدم والمصير ضمن البوتقة الوطنية الجامعة لكلّ السوريين الذين أطاحوا من خلال حراكهم الشعبي العفوي الفريد بكلّ المتربصين ببلدهم وبمستقبلهم كشعب واحد متجذّر بشموخ في هذه الأرض عبر آلاف السنوات.

ورغم أن الزلزال بهزاته العنيفة أسقط الحجر، وأحدث صدعاً وجرحاً كبيراً في حياة المجتمع، إلا أنه في المقابل أعاد لملمة الجسد السوري وضمّد جراح سنوات الحرب، كاشفاً عن ذلك المخزون اللامحدود من محبة السوريين لبعضهم وتعاضدهم وتكاتفهم في المحن، ففي “وقت الشدة” تتضح الحقائق وتتكشّف المعادن النفيسة التي نراها اليوم تقدّم أنموذجاً رائعاً للعطاء والوفاء والانتماء بكل ما تعنيه هذه الكلمات من معاني، فقوافل الدعم المستمرة تبني وعلى مدار الساعة مستقبلاً عنوانه “سورية الجديدة المتجدّدة”.

والحقيقة اللافتة، والتي باتت أكثر شروقاً على المستقبل، أن مرحلة البناء والإعمار لن تكون إلا بأيدٍ وأموال وطنية، فكثرة الغيارى والحريصين على دعم المناطق المنكوبة التي حفّزت الصغير قبل الكبير على مدّ يد العون والتبرع بالمال والجهد ضمن لوحة الوطن الواحد، تؤكد أننا كسوريين قادرون على إحياء ما دمّرته سنوات الحرب وإعادة دوران عجلة الإنتاج وتأمين مستلزماته، وهذا ما يعطي الأيام القادمة أهمية قصوى من حيث ترتيب الأولويات وتحديد المسارات وتكثيف التعاون وإعادة الثقة بين المجتمع المحلي والمؤسّسات الحكومية بمختلف أشكالها وأنواعها، خاصة وأن الفرصة سانحة والظروف مهيأة لإحداث التغيير المطلوب في بنية العمل المؤسّساتي المتباطئ والمثقل بالتحديات والأمراض المستعصية.

نعود مجدداً للتأكيد على عبارة “قادرون” كونها الكلمة المفتاحية للمرحلة القريبة القادمة، وخاصة مع حالة الاستنفار العام المتصاعدة لأبناء البلد في الداخل والخارج، والذين يتسابقون في تقديم الدعم المعنوي والمادي عبر الأموال التي يمكن استثمارها لوضع حجر الأساس للحلّ النهائي، وعلى الصعد كافة، دون الإبطاء في معالجة واقع المتضررين، واتخاذ إجراءات سريعة لمحاسبة ومساءلة كلّ من ثبت تورطه بالتسبّب في زيادة حجم الكارثة عبر مخالفات جسيمة في الإنشاء والبناء والتلاعب بالمواد من قبل تجار البناء والمتعهدين، ومن الضروري الآن الخروج من صدمة الكارثة والانتقال إلى التخطيط الاستراتيجي ووضع برنامج زمني للتنفيذ بعد الإحاطة بكامل المستجدات، ودراسة جميع الاحتمالات.

وهنا يجب الانتباه إلى أهمية إقصاء محاولات التشويش على الخطوات المتسارعة على أرض الواقع من قبل كافة مكونات المجتمع السوري، وليتذكر الجميع أن حالة الاستهداف والتربص مستمرة، وأن هناك من يعمل ليل نهار للتقليل من أهمية ما يحدث بقصد الإيذاء وطمس معالم وملامح الحلول لجميع المشكلات التي يعاني منها المواطن السوري، ولن نبرّئ من ذلك تلك الأيدي المكبلة بالشبهات والفساد!