اقتصادصحيفة البعث

الزلزال يتطلب تعديلات سريعة!  

قسيم دحدل

كثيرة هي المشكلات العويصة التي ستواجهنا نتيجة لما خلّفه الزلزال المدمّر من تبعات على كافة مناحي الحياة المادية وغير المادية، فمنها ما ألقت بظلالها القاتمة مباشرة كانهيار المنشآت والأبنية والتضرّر الكبير الذي لحق بالعديد من البنى المادية الملموسة في قطاع الخدمات، ومنها ما ستلقي بتبعاتها المعقدة بشكل متتالٍ على البنى التشريعية والقانونية والإجرائية، ما يجعلنا نسابق الزمن للخروج منها.

وللإيضاح أكثر، نبيّن أن الواقع الجديد القاسي والصعب المفاجئ في كل النواحي يتطلب تعاطياً جديداً ومختلفاً كلياً عما كان في السابق. والتعاطي المقصود هو في إعادة صياغة عدد من التشريعات والقوانين والقرارات، أو إعادة تعديلها بما يتناسب مع المستجد من وقائع ومتطلبات، كون التشريع والقانون هو المدماك الأساسي الذي تبنى عليه بقية المداميك، وبالتالي فبقدر ما تكون القوانين ملبية لمتطلبات الكارثة، بقدر ما يكون زمن احتوائها سريعاً.

إذ، وكما فرض الزلزال وآثاره المدمرة على الحجر والبشر إعلان واعتبار المناطق المتضررة “مناطق منكوبة”، وما يعني هذا من تعاطٍ مختلف معها قانونياً وعمرانياً وإغاثياً مالياً وغير مالي، كذلك يفرض هذا تعاطياً مغايراً لما سبق سواء مع تلك المناطق أو مع بقية المناطق واحتياجاتها السكانية والعمرانية والخدماتية والمالية، لأنها بحكم الوضع الطارئ ليست مستثناة من تداعيات الزلزال، لا بل ستكون الحاضنة المباشرة وغير المباشرة للوجستيات المطلوبة لإعادة الحياة الطبيعية للمناطق المنكوبة، وأيضاً ستكون بشكل أو بآخر الحاضنة للتبعات السكانية والإسكانية والمالية والخدمية للأعداد التي تضرّرت من الكارثة.

ماذا يعني هذا؟ يعني، على سبيل المثال لا الحصر، أن التعديل الأخير -ما قبل الزلزال- على قانون البيوع العقارية، والقاضي بتسديد ما يقارب ٥٠٪ من القيمة الرائجة لأي عقار عبر المصارف بعد أن كانت لا تتجاوز ١٥٪، والذي كانت غايته رفع مستوى السيولة لدى المصارف، برأينا يحتاج لإعادة تعديل من جديد، وذلك تسهيلاً وتحريكاً لسوق العقارات والسكني “الإيوائي” منه على وجه الخصوص. وهنا يطرح السؤال حول إمكانية تخصيص قسم من المساعدات المالية لشراء ما يمكن شراؤه أو استئجاره من المساكن الشاغرة، وعددها ليس بقليل في كلّ محافظة، وإسكان ما أمكن ممن تهدّمت منازلهم، أو إعطائهم إعانات لحين انقضاء المراحل الحرجة من الكارثة، لذلك فمثل هكذا خيارات أو إجراءات لا شك تحتاج لتعديلات سريعة في القوانين العقارية والمالية وغيرهما.

مثال يمكن إسقاطه على العديد من أوجه النشاط الاقتصادي والمالي والتجاري والإنتاجي بشقيه الصناعي والزراعي، بهدف خلق مساحة واسعة من التسهيلات والكثير من المرونة المطلوبة بحكم الوقائع والمتطلبات المستجدة، مستفيدين من الخرق النسبي الذي أحدثته نكبة الزلزال في جدار “قيصر”، مهما كان هذا الخرق بسيطاً، لذا فإن تعظيم ما سيتاح لنا من “فرص” هو في حدّ ذاته إنجاز سينعكس إيجابياً على واقع تعاملنا مع مخلفات الكارثة في كل حيثياتها.

إن كثيراً من السلاسة والسهولة والمرونة بحركة وتحريك الأموال، في هذا الوقت، أمر في غاية الأهمية ويكاد يكون مصيرياً لمواجهة تحديات الكارثة المتنوعة وتأمين مستلزمات استيعابها وتطويقها. ومع ذلك، هذا لا يعني ألا تكون مراقبة ومضبوطة، بل على العكس يجب أن يكون الضبط لأجل التنظيم والتسريع في حركتها لا العرقلة في تنقلها وتداولها وصرفها.

ولعلّه لا يختلف اثنان على أن القدرة في تفعيل ديناميكية الأموال والأعمال، بعيداً عن قنوات البيوقراطية غير السليمة والصحيحة في جوانب معيّنة، ستكون الفيصل في امتحان الاستجابة للتخفيف ما أمكن من تحديات الكارثة وتأمين متطلبات الخروج منها بأقل التكاليف، التي إن لم يتمّ ضبطها وتحديد أوجه إنفاقها بكل دقة وشفافية ووضوح، فسنظلّ عالقين تحت أنقاضها.

وليس أخيراً.. يجب أن ندرك تماماً، أن ما قبل الزلزال ليس أبداً كما بعده، فهل نسرّع خطواتنا “التعديلية” بالتوازي مع أعمالنا الإغاثية؟.

Qassim1965@gmail.com