مجلة البعث الأسبوعية

الثورة الإيرانية.. أربعة وأربعون عاماً من الانجازات والتطورات الشاملة

البعث الأسبوعية- سمر سامي السمارة

على الرغم من مرور عقود على العقوبات الغربية الجائرة التي طالت قطاعات النفط والبنوك والنقل الإيرانية، فضلاً عن حظر المعاملات التجارية المتعلقة بالمعادن النفيسة كالذهب، بالإضافة إلى الألمنيوم والحديد، والتكنولوجيا المرتبطة بالبرامج التقنية الصناعية وقطاعات المواصلات والطاقة والبنوك، تفتخر إيران اليوم باقتصادها الأكثر تنوعاً، وتقدمها التكنولوجي، وإنجازاتها التنموية الهامة.

شهد الاقتصاد الإيراني بعد الثورة الإسلامية الإيرانية عام  1979 تغيرات كبيرة، فقد كان اقتصادها قبل الثورة يعتمد بشكل كبير على القطاع الخاص، بالإضافة إلى صادرات النفط.، لكن الحكومة  قامت بعد الثورة بتأميم العديد من الصناعات، وطبقت نظاماً اقتصادياً قائماً على التخطيط المركزي ورقابة الدولة.  وبحسب البنك الدولي، يهيمن قطاع المحروقات والزراعة والخدمات على الاقتصاد الإيراني.

القطاعات الرئيسية

كان الاقتصاد الإيراني قبل الثورة، يتكون بشكل أساسي من أربعة قطاعات رئيسية، وقد مثل قطاع النفط والتعدين القطاع الأكبر بنسبة 75 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، تبعه قطاع الخدمات بنسبة 13 في المائة، والصناعة 9 في المائة، والزراعة 2 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي.

و بمرور الوقت، تحولت إيران إلى اقتصاد متنوع، حيث أصبح قطاع الخدمات الآن المحرك الأساسي بنسبة تصل لأكثر من 57٪ من الناتج المحلي الإجمالي، يليه قطاع الصناعة والتعدين بنسبة19.5٪، والزراعة 10.7٪، والنفط حوالي 8٪، والبناء بنسبة 4.3٪ في آذار 2022،  بحسب بيانات البنك المركزي الإيراني.

النفط والغاز والمواد البتروكيماوية

واجه قطاع النفط الإيراني العديد من التحديات منذ الثورة الإيرانية، بما في ذلك العقوبات الغربية، وبالرغم من ذلك، بلغ إنتاج النفط الخام بعد الثورة 3.8 مليون برميل في اليوم في عام 2018، قبل انسحاب الولايات المتحدة من جانب واحد من الاتفاقية النووية المعروفة باسم خطة العمل الشاملة المشتركة وإعادة فرض العقوبات على طهران.

وفي إطار سياستها للحد من تصدير النفط الخام، زادت إيران بشكل كبير من عدد مصانع البتروكيماويات، ليس فقط لتقليل أو إلغاء طلباتها المحلية للسلع الاستراتيجية مثل البنزين، وإنما لزيادة دخلها من العملات الأجنبية من خلال تصديرها لمجموعة متنوعة من السلع البتروكيماوية، والتي بلغت 24 مليار دولار في العام الماضي.

على الرغم من الانكماش في إنتاج النفط الخام، زادت إيران بشكل كبير من إنتاجها من الغاز في العديد من حقول الغاز الرئيسية مثل حقل بارس الجنوبي، وأصبحت ثالث أكبر منتج للغاز بعد الولايات المتحدة وروسيا في عام 2021، حيث قامت بإنتاج 256.7 مليار متر مكعب من الغاز الطبيعي، وفي حين أن معظم إنتاج الغاز الطبيعي الإيراني تستهلكه المحطات السكنية والصناعية ومحطات الطاقة في البلاد، فإنها تواصل تصدير جزء منه إلى البلدان المجاورة مثل العراق وتركيا.

الزراعة

كذلك، شهد قطاع الزراعة تغيرات هامة، حيث أولت الحكومة أهمية كبيرة لتعزيز الأمن الغذائي من خلال التركيز على الاكتفاء الذاتي. وعلى الرغم من زيادة الإنتاج، إلا أن القطاع واجه  بعض التحديات، بما في ذلك الجفاف والتغيرات المناخية.

لطالما كان إتباع سياسة الاكتفاء الذاتي للمنتجات الإستراتيجية مثل القمح بمثابة نهج للدولة لوضع استراتيجيات إنمائية مستدامة. وللإشارة، لا يزال القطاع مصدراً مهماً للعمالة والدخل للمجتمعات الريفية وصغار المزارعين، على الرغم من انخفاض حصته في السنوات الأخيرة.

قطاع الخدمات

شهد قطاع الخدمات، بما في ذلك مجالات التمويل وتجارة التجزئة والسياحة، أهم فترة انتعاش ونمو في إيران ما بعد الثورة، خاصة أن هذا القطاع استفاد من التقدم التكنولوجي، الذي مكّن الشركات من الوصول إلى قاعدة عملاء أوسع وتعزيز خدماتها في المناطق الحضرية والريفية أيضاً.

جدير بالإشارة أن، التطورات العلمية والتكنولوجية في البلاد، إلى جانب القوى العاملة الشابة والمتعلمة تعليماً عالياً، جعلت من قطاع الخدمات، المساهم الرئيسي في الناتج المحلي الإجمالي والمصدر الأساسي لفرص العمل.

الصناعة والتعدين

في العقود الأخيرة، طورت إيران مجموعة واسعة من الصناعات، تشمل البتروكيماويات، والسيارات، والتعدين والتصنيع. وتنتج الدولة الآن معادن مثل خام الحديد والنحاس والذهب، كما نما قطاع التصنيع لإنتاج سلع مثل المنسوجات والمنتجات الغذائية والصلب والأدوية والسلع الاستهلاكية.

في الواقع، هذه ليست سوى بعض التطورات التكنولوجية والصناعية الرئيسية التي حققتها إيران على مدى العقود الماضية من خلال توسيع وتحديث الصناعات الموجودة سابقاً في حقبة ما قبل الثورة، أو من خلال إنشائها من الصفر.

التوظيف

وفقاً لأحدث البيانات الصادرة عن مركز الإحصاء الإيراني، فإن قطاع العمالة الأكبر في إيران، هو قطاع الخدمات، إذ يشغل 51.3 في المائة من القوى العاملة في البلاد، يليه قطاع الصناعة بنسبة 34.6 في المائة، ثم قطاع الزراعة بنسبة 14.3 في المائة.

جدير بالذكر، يبلغ معدل البطالة الحالي في إيران 8.2٪ ، وهو أدنى مستوى له منذ 17 عاماً.

التنمية البشرية

ساهمت التطورات الشاملة في الاقتصاد الإيراني ودفع عجلة التنمية المستدامة، بدرجة كبيرة في تحسين ترتيب إيران في مؤشر التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي، فقد تحسن مؤشر التنمية البشرية في إيران من 0.601 لعام 1990 إلى 0.774 في عام 2021، ما جعلها تحتل المرتبة 76 بين الدول المصنفة، حسب مؤشر التنمية البشرية، وفي الدرجة الأولى من الدول التي حققت فئة التنمية البشرية العالية، وقبل الصين والهند والبرازيل.

وبحسب برنامج الأمم المتحدة الإنمائي، أحرزت البلاد تقدماً كبيراً في ثلاثة أبعاد أساسية للتنمية البشرية: الحياة الطويلة والصحية، والمعرفة، والمستوى المعيشي اللائق.

التحديات المقبلة

بالرغم من التطور الذي أحرزته إيران بعد الثورة، يواجه الاقتصاد الإيراني بعض التحديات، خاصة مع استمرار العقوبات والتوترات السياسية مع الغرب والتي تقييد وصول إيران إلى النظام المالي الدولي وتعيق قدرتها على التجارة، وهو ما يصفه المسؤولون في طهران بأنه حرب اقتصادية، لذا تواصل طهران بشكل استباقي متابعة التجارة والنمو الاقتصادي مع جيرانها وشركائها البديلين خارج النظام المالي العالمي الذي يقوده الغرب، مثل الانضمام إلى منظمة شنغهاي للتعاون، واتفاقية التجارة الحرة القادمة مع اللجنة الاقتصادية الأوروبية الآسيوية التي تقودها روسيا، والاتحاد الاقتصادي، وتطبيقه للانضمام إلى مجموعة البركس الموسعة للجنوب العالمي.

جدير بالذكر، أن التدابير والإجراءات التي تتبعها الجمهورية الإسلامية لتعويض قيودها الاقتصادية الحالية من خلال توسيع نطاق العلاقات مع دول الجوار، وفتح أفق للتعاون والتبادل التجاري مع هذه الدول من أجل التغلب على العقوبات الأمريكية، وفق خطوط عريضة تشمل التعاون اللوجستي، والتعاون المالي والبنكي، وتنمية الأسواق الدولية، والاتفاقيات التجارية وإصلاح هيكلية التنمية التجارية، والعمل مع البنوك المحلية، واللجوء إلى عقد الاتفاقيات الثنائية لرفع القيود، وإيجاد قناة مالية ثنائية لتجاوز مشكلات العقوبات، وإقامة المعارض لتعزيز التجارة والإسراع في تنفيذ البرامج المشتركة، وتكثيف آلية اللجان المشتركة، وسياسة مقايضة البضائع، وتعزيز التبادل التجاري، فضلاً عن إجراء مشاورات متعدّدة بشأن تعزيز العلاقات الاقتصادية والتعاون التجاري، والتي كانت كلها عوامل ساعدت في نموّ تجارة إيران الخارجية، وتعديل الميزان التجاري لصالحها.