دراساتصحيفة البعث

مستهلكو الأخبار لا يسمعون الحقائق

سمر سامي السمارة

تحاول وسائل الإعلام الغربية الرسمية التسويق لفكرة خسارة روسيا في الصراع مع أوكرانيا، حيث يعمل المحاربون بالوكالة عن حلف شمال الأطلسي وخبراء مراكز الأبحاث الغربية، على طمأنة الأمريكيين والدول الحليفة الأخرى، أن روسيا على حافة الهاوية وأنها ستتلقى الضربة القاضية من التحالف الذي يقوده الرئيس الأمريكي بايدن.

والسؤال الي يطرح نفسه: إذا كان بوتين قد هُزم بالفعل، فما الذي سيفعله حلف شمال الأطلسي ورئيس الولايات المتحدة المبتذل عندما يشنّ الروس هجومهم المتعدد الجوانب ضد ما تبقى من قوات زيلينسكي، حيث سيتمّ عندها الكشف عن ضعف الناتو وعدم جدواه، وذلك بشهادة العديد من المصادر الموثقة؟.

بالعودة إلى تشرين الثاني 2022، كتب العقيد المتقاعد دوغلاس ماكغريغور، الذي أطلق عليه زملاؤه في الجيش الأمريكي لقب “أعظم مقاتل في أمريكا”، تحليلاً واضحاً للوضع الحقيقي في أوكرانيا في تلك المرحلة،حيث لخص المحلل الإستراتيجي الموقف، كاشفاً عن عدم وجود إستراتيجية فعلية للولايات المتحدة وحلفائها في أوكرانيا.

كما أشار إلى أن كبار القادة العسكريين الأمريكيين، ورؤساءهم السياسيين، نظروا إلى روسيا من خلال عدسة ضيقة التركيز، أدت إلى تضخيم نقاط القوة الأمريكية والأوكرانية، لكنها تجاهلت المزايا الاستراتيجية لروسيا والعمق الجغرافي، والموارد الطبيعية غير المحدودة تقريباً، والتماسك الاجتماعي العالي، والقدرة العسكرية الصناعية على التوسع بسرعة فائقة.

كما حدّد المستشار العسكري السابق لإدارة ترامب مجموعة القوات المستعدة لضرب ما تبقى من الجيش الأوكراني المتهالك في أي لحظة، وهي حسب ماكغريغور، أن حوالي 540.000 جندي روسي إضافي، مدعومين بأكثر من 1000 نظام مدفعي صاروخي، و 1500 دبابة، و 5000 عربة قتال مدرعة، ومئات المقاتلات الثابتة، والمروحيات، وقاذفات القنابل، وآلاف الصواريخ الباليستية التكتيكية، وصواريخ كروز، والطائرات بدون طيار قد تجمعت جميعها على مسافة قريبة من احتياطيات أوكرانيا الأخيرة.

ومنذ ذلك الحين، استنزفت أوكرانيا قواتها التي تهاجم الشبكات الدفاعية الروسية التي تدافع عن مراكز النقل الرئيسية مثل باخموت، ولكن الإدارة الأمريكية وحلفاءها لا يعترفون بالخسائر الفادحة التي تكبدتها أوكرانيا، حيث سقط 157000 قتيل و234000 جريح، وتم أسر ما يقرب من 20000، بالإضافة إلى خسارة كميات هائلة من الأسلحة والطائرات والدبابات.

ينضمّ مفتش الأسلحة الأمريكي السابق سكوت ريتر إلى ماكغريغور وخبراء عسكريين رئيسيين آخرين في الإشارة إلى أن حصيلة القتلى من أوكرانيا تكشف أن روسيا تقاتل بالفعل الناتو في أوكرانيا، حيث يقوم الناتو والولايات المتحدة بتدريب وبناء الجيش الأوكراني النازي منذ عام 2014. وفي لغة الأرقام القتالية، لقي آلاف من مرتزقة الناتو الذين يرتدون الزي العسكري الخاص بحلف شمال الأطلسي من الولايات المتحدة، والمملكة المتحدة مصرعهم أيضاً في ميدان المعارك. وبالنظر إلى الانتكاسات الأمريكية التاريخية في أفغانستان والعراق وسورية، فإن هذا ليس بجديد. لقد شارك المشغلون “الخاصون” في أمريكا فعلياً في كل صراع على هذا الكوكب منذ الحرب العالمية الثانية، ولكن يبدو أن الحالة في أوكرانيا مختلفة، حيث أشار الكولونيل ماكغريغور وفق مصادره الخاصة، إلى أن الروس يستعدون لخوض حرب لمدة 30 شهراً مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي، بينما ليس لدى الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي قدرة تعبئة سريعة الاستجابة في الوقت الحالي.

وبينما قامت روسيا بالفعل بزيادة إنتاج الأسلحة بشكل كبير، يؤكد نائب رئيس مجلس الأمن ديميتري ميدفيديف أن الإمدادات الجديدة ستساعد روسيا على إلحاق هزيمة ساحقة بأوكرانيا في ساحة المعركة، محذراً من أن روسيا قد تنضم إلى دول أخرى تعارض الهيمنة الأمريكية وتشكل تحالفاً عسكرياً يهدف إلى إضعاف هيمنتها في السياسة العالمية.

في الحقيقة، لا يسمع مستهلكو الأخبار الغربية شيئاً عن هذه الحقائق، على الرغم من أن الخيارات التي تُترك لمن هم خارج حلف الناتو تبدو واضحة جداً هذه الأيام. ومن الهند إلى البرازيل، يزداد الخوف وعدم اليقين بشأن هيمنة الولايات المتحدة يوماً بعد يوم. وكما أكد الكولونيل ماكغريغور وآخرون، فإن قيادة الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي فشلت تماماً في فهم التكتيكات والسياسات الروسية، ويتضح هذا من خلال قراءة أو مشاهدة الأخبار الغربية.

وبحسب الكولونيل، مع استمرار الناتو بإرسال الأسلحة إلى أوكرانيا، فإن أفضل ما يمكن تحقيقه هو تقسيم أوكرانيا، وإذا تمّ إدخال قوة مجنونة متعددة الجنسيات في الصراع، يرى مراقبون أن اسم “أوكرانيا” سيدخل كتب التاريخ باعتبارها أمة “كانت ذات يوم”.