ثقافةصحيفة البعث

فنانو السويداء بأدواتهم يحاكون نكبة الزلزال

السويداء – رفعت الديك

لم يكن فنانو السويداء بعيدين عن المأساة التي طالت بعض المحافظات السورية، وقد كانوا الأكثر تحسّساً بآلام أهلهم في تلك المناطق، فقدموا أعمالاً أرّخت اللحظة زمنياً بأسلوب فني يعكس روح التفاؤل والأمل بولادة جديدة تنبثق من وسط الركام.

وها هي الفنانة ثناء النبواني تتحسّس مأساة أبناء بلدها بلوحة عبّرت فيها عن الحياة تحت الأنقاض من خلال الأيادي المرفوعة التي تطلب النجدة، واستخدمت تقنيات تدمج الفن بتوثيق الحادثة، ولم تجد إلا الريشة والألوان للتعبير عن نفسها.

وعبّرت النبواني، خريجة كلية التمريض وعضو في “اتحاد الفنانين التشكيليين”، من خلال ألوانها عن تلك المأساة بأسلوب واقعي يحمل مدلولات متنوعة مجسّدة روحها الفنية على سطح لوحاتها.

أما الفنان عامر الخطيب فجاءت لوحته “ولادة من تحت الركام” كالزلزال نفسه، ولدت مع الأحداث بفعل الطبيعة وفعل الألوان التي انهالت على القماش بواقعية الركام والدمار والانهيار والأنقاض والردم والغبار والتشرد والضياع والهلع والخوف ومن تحت جنح الظلام، كما يقول.

وما درجات اللون الرمادي المترنح عند الخطيب، المحامي وخريج معهد أدهم إسماعيل بدمشق، فوق أديم الأرض والموشح بزرقة الرحمة من عنان السماء وعزم الشقوق المنبلجة عن البرتقالي الملتهب الناري المنبعث بين طيات الركام والدمار التي كادت تملأ الآفاق، إلا فسحة الرحمة المتلهجة بين خفقان القلوب وأنفاس الخلائق المرعوبة والتي تبشر بولادة الحياة وانبعاث الروح مجدداً من لجة الظلام وعمق الحطام بقوة وعزيمة متمثلة باللون الأحمر القاني الموشح بلهب الأرجواني الفاتح، وكأنه يذكر بأسطورة الفينيق السوري العائد إلى الحياة والانطلاق من تحت الرماد إلى حيث تبدو الشمس ساطعة دافئة.

وتحركت الوردة الحمراء وبرعمها من تلاشي خصلة الشعر المعمّدة على امتداد التراب المتصدّع بفعل الارتدادات المتكررة، لتخرج عند الفنان التشكيلي ابن السابعة والخمسين عاماً بوهجها الطافح بالأمل والتفاؤل والحياة من الشقوق والأخاديد ولتعلن أيضاً عودة الروح القوية الجبارة والتمهيد لمرحلة جديدة مفعمة بالحيوية والنشاط والحب والبقاء.

يقول نقيب الفنانين التشكيليين في السويداء، حمد عزام، إن الفنان أول من يتحسّس آلام الناس وحجم الكارثة وتبعاتها بشفافية، فيهرع إلى أدواته ليترجمها إلى صورة بصرية تعبيرية هادفة ويوقظ أحاسيس الناس وتعاطفهم بشكل إنساني، بينما الإعلامي مثلاً يسير وفق التفاصيل البصرية اللحظية وينشرها كما هي صوتاً وصورة. ويشير عزام إلى أن الأعمال الفنية التي قدّمت جميلة متكاملة من حيث بناء اللوحة واللون واختصار الرموز التعبيرية مشهد الدمار وامتداد الأمل على الحياة بالوردة عند الزميل الخطيب، وكذلك كان هناك حشد مشهدي جميل تكامليته بالدمار والناس، منهم من قضى نحبه ومنهم مازال حياً تحت الأنقاض، والآخرون الناجون يهرعون حفاة، وثياب ما تيسر، وبعضهم يحمل أمتعة بسيطة ويهرب فزعاً في لوحة الزميلة ثناء.

ويعتزم فرع اتحاد الفنانين التشكيليين في السويداء – وفق عزام – إقامة معرض للفن التشكيلي يعود ريعه لدعم الأهالي في المناطق المتضررة جراء الزلزال. وبيّن عزام أن فناني المحافظة عبّروا عن رغبتهم بأن يقفوا مع أبناء بلدهم المتضررين من الزلزال، وعن دعمهم عن طريق الريشة والألوان، عبر تقديم أعمال مستوحاة من وقع الكارثة.