مجلة البعث الأسبوعية

ندوة سياسية وقانونية في بريطانيا للمساهمة في رفع العقوبات عن سورية: ما يسمى “قانون قيصر” متمم لسلسلة عقوبات بدأت منذ العام2003

البعث الأسبوعية-هيفاء علي

تتواصل الدعوات العالمية الرسمية والشعبية لرفع الحصار الاقتصادي الغربي الجائر المفروض على سورية، عل وعسى تلقى آذاناً صاغية لدى ما يسمى المجتمع الدول الذي يتبجح بمبادئه
“العادلة” وبإنسانيته المنافقة. في هذا الإطار، انعقدت مؤخراً ندوة سياسية وقانونية حول كيفية المساهمة في رفع الحصار والعقوبات عن سورية، وذلك في دارة فلسطين في إنكلترا، وبرعاية المركز الأوروبي لدراسات التطرف في كمبريدج، وقد أدار الندوة الدكتور مكرم خوري مخول، والمتحدثون على التوالي هم الدكتور عبد الحق العاني من العراق ومقيم في لندن، وعمر زين نقيب المحامين العرب سابقاً من لبنان، والدكتور حيان حيدر من لبنان أيضاً.

البداية كانت مع المحامي والقانوني الدكتور عبد الحق العاني الذي لفت إلى أنه قدم شكاوى عديدة ضد الحكومة البريطانية، وضد رئيس وزرائها إبان الغزو الأمريكي للعراق، توني بلير. كما بذل جهوداً حثيثة، وقدم المشورة القانونية حول كيفية رفع العقوبات عن سورية، وتطرق إلى الخلفية السياسية للحصار قبل الحديث عن المقاربة القانونية للعقوبات، وسبب ذلك هو أن الحصار المفروض على سورية مرتبط ارتباطاً جذرياً بالعقوبات التي كانت مفروضة على العراق، لأن كل القوانين المتعلقة بالحصار المفروض على سورية تعود زمنياً إلى ذلك الوقت. ومن أجل فهم ما حدث ويحدث في سورية، يجب أولاً فهم ما حدث في العراق لأن كل القوانين التي صدرت حول موضوع الحصار ما هي سوى محاولة لإضفاء صفة قانونية على الشرق الأوسط الجديد، الذي تم الإعداد له منذ عقود، وبدأ تنفيذه فعلياً بحصار العراق وغزوه واحتلاله قبل أن تدخل سورية هذا المسرح.

 

غزو العراق

ومن أجل فهم ماهية مشروع الشرق الأوسط الجديد، لابد من العودة قليلاً الى عام 1997، عندما قامت مجموعة من المحافظين الجدد بفرض مشروع “القرن الأمريكي الجديد”، ودعاة هذا المشروع كانوا موظفين صغارا، لكنهم أقوياء في إدارة رونالد ريغان، وأغلبهم كانوا يهوداً، حيث تم تطبيقه بالكامل في عهد جورج بوش، لأن هؤلاء الصقور الذي خدموا في عهد ريغان أصبحوا مسؤولين كبارا في عهد جورج بوش، وعلى رأسهم وزير الدفاع دونالد رامسفيلد.

ولفهم ما هو المشروع في العراق وسورية، استعرض الدكتور العاني نص المشروع الذي نشر عام 1997، والذي جاء فيه: “تلعب الولايات المتحدة دوراً هاماً في الحفاظ على أمن أمريكا وآسيا وأوروبا والشرق الأوسط. فإذا تنصلنا عن مسؤولياتنا، فإننا بذلك نفتح الباب لتحدي مصالحنا الإستراتيجية، وبالتالي كان ينبغي أن يعلمنا تاريخ القرن العشرين أن من المهم تشكيل الظروف قبل ظهور الأزمات، ومواجهة التهديدات قبل أن تصبح خطيرة. لذلك كان يجب أن يعلمنا تاريخ هذا القرن ضرورة تبني قضية القيادة الأمريكية للعالم. وقد لا تكون سياسة ريغان القائمة على القوة العسكرية والوضوح الأخلاقي شائعة اليوم – أي عام 1997 – لكنها ضرورية إذا أرادت الولايات المتحدة أن تبني على النجاحات التي تحققت في القرن الماضي، وضمان أمننا وعظمتنا في القرن المقبل”.

وتابع العاني بالإشارة إلى أنه بعد 8 أعوام على الحصار المدمر على العراق، كتب هؤلاء المحافظون أنفسهم، عام 1998، على موقعهم الرسمي: “لا يمكن أن تستمر السياسية الأمريكية مصابة بالشلل بسبب الإصرار المضلل على الإجماع في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة”. وكأن لسان حالهم يقول، لسنا معنيين بمجلس الأمن الدولي، بل نريد تنفيذ مشاريعنا كما هي، ليستمر الطغيان الذي رسم مخطط غزو العراق.

في 2 شباط 1998، نشروا وصفاً لكيفية رؤية الشرق الأوسط، جاء فيه: “إن التدخل الناجح في العراق من شأنه أن يحدث ثورة في الشرق الأوسط، وكل ذلك لمنفعة المصالح الأمريكية، وسيؤدي استمرار الفشل في الإطاحة بالرئيس العراقي صدام حسين إلى إضعاف وتآكل موقفنا، وبالتالي، سيتلقف العالم مع بداية القرن الواحد والعشرين رسالة مفادها أن الأمريكيين فقدوا أعصابهم كما حصل مع الفرنسيين والبريطانيين في ثلاثينيات القرن الماضي”.

لقد أظهر قادة هذا المشروع مدى الاستهتار والغطرسة والإجرام الأمريكي، والجميع يعرف جون بولتون، المندوب الأمريكي في الأمم المتحدة، آنذاك، الذي كان مكروهاً من قبل زملائه المندوبين الآخرين في مقر الأمم المتحدة.. هذا المتغطرس قال ذات يوم: “لست أفهم لماذا سمحت إدارة كلينتون للأمين العام للأمم المتحدة بالذهاب إلى بغداد، ولماذا منحته مرونة تفاوضية، وكأنه يقول إن كوفي عنان مجرد موظف في وزارة الخارجية الأمريكية، فلماذا سمحنا له بالذهاب للتفاوض مع الحكومة العراقية؟”.

هدأت فكرة المشروع لفترة قصيرة، بين عامي 1999 و2002، لأن إدارة كلينتون لم تكن راضية عنه، لكنه عاد إلى الطاولة في تموز 2002، لأن صقور المحافظين الجدد علموا أن غزو العراق بات على الأبواب، بدليل هذا التصريح الصادر في تموز 2002: “العراق ليس نافذة، بل هو محور تاريخي، وسواء نحج العراق بعد صدام حسين أو فشل، فإنه سيشكل سياقات الشرق الأوسط والسياسة العالمية أيضاً. كان الأوربيين قلقين بشأن غزو العراق، وهم محقون بذلك، فإذا كان صحيحاً أن غزو العراق قد يكون بعد ستة أشهر، فبعد ستة أشهر سيكون اليوم الذي يكتب فيه الانتصار، قد لا يكون العراق مختلفاً إلى هذا الحد فهو محاط بالأصدقاء الضعفاء مثل تركيا والدول العربية ذات الشرعية الضعيفة، مثل الأردن والسعودية، ودول مثيرة للقلق مثل سورية وإيران، لذلك فإن نجاح العراق بعد الغزو سيكون مصلحة أمريكية حيوية إذا كانت هناك حاجة لذلك، وإذا ذهبت أمريكا الى العراق، فمن الأفضل ان تكون مستعدة للبقاء فيه مهما مضى الوقت”.

 

الخلفية السياسية للحرب على سورية

إذاً هذا التصريح حدد موعد غزو العراق، ما يعني أن القرار متخذ مسبقاً، ولا علاقة للغزو بوجود أسلحة دمار شامل كما زعم الصقور وإدارتهم. وبعد غزو العراق واحتلاله، زار وزير الخارجية الأمريكي آنذاك، كولن باول، سورية، والتقى السيد الرئيس بشار الأسد عارضاً عليه مقترحاً يمكن تلخيصه بأنه إذا وافقت سورية على المشروع الصهيوني بالاعتراف بالهيمنة الإسرائيلية على المنطقة، فلن يتم الاعتداء على سورية. ولكن عندما رفضت القيادة السورية ذلك المقترح، بدأت المرحلة الثانية في مخطط الشرق الأوسط الجديد، ولهذا السبب تحدث العاني عن الخلفية السياسية للحرب على سورية والحصار الجائر عليها، وما أعده المحافظون الجدد للشرق الأوسط، فما الذي حدث بعد ذلك؟.

حقيقة الأمر، ما يسمى قانون قيصر ليس سوى متمم لسلسلة إجراءات من العقوبات بدأت منذ عام 2003، حيث بدأ أول إجراء عقابي، ومن ثم بنيت عليه سلسلة من العقوبات، وسوف أتحدث حتى نكشف نفاق وكذب السياسة الأمريكية، ذلك أن قرار فرض الحصار على سورية، المتخذ منذ عام 2003، يكشف سبب الحصار الذي لا علاقة لا من قريب ولا من بعيد بـ “الحرية والديمقراطية”، ولا بـ “حماية المدنيين”. وبالعودة إلى القانون الذي تم وضعه عام 2003، ستتضح الحقيقة، وسرعان ما يتبادر إلى الأذهان السؤال التالي: هل هناك أرضية قانونية لإصدار عقوبات من قبل دولة ما على دول ذات سيادة بهذا الشكل، كما حدث ضد سورية والعراق وإيران وكوبا والعديد من الدول الأخرى؟

حقيقة، لا توجد أرضية قانونية تمنح الحق لدولة ما بفرض حصار جائر على دولة أخرى، ويلزم الآخرين بتطبيقه كما هو الحال مع سورية. والسبب هو أن مجلس الأمن بعد الحرب العالمية الثانية كان متوازناً بعض الشيء، والحرب الباردة خدمت العالم إلى حد كبير لجهة أن أي طرف لم يستطع التحكم بالعالم. ولكن بعد سقوط الاتحاد السوفييتي، انفردت الولايات المتحدة بالعالم، وغدت تصدر القوانين كما تشاء، وأول قانون صدر هو “قانون تحرير العراق”، عام 1998.

وقبل الدخول في القوانين التي صدرت لفرض الحصار على سورية، لابد من التوقف عند نقطة مهمة للإنسان العربي، وهي أنه منذ عام 2003 تم وضع سورية على قائمة الاستهداف، عندما أصدرت الإدارة الامريكية ما يسمى” قانون محاسبة سورية واستعادة سيادة لبنان”، وهو قانون أمريكي بحت لا علاقة له بالأمم المتحدة، اتخذته أمريكا وفرضت على حلفائها تطبيقه، والهدف منه منع الفلسطينيين من القيام بأي عملية ضد “إسرائيل”، وعليه فإن الهدف الأول والأخير من مشروع الشرق الأوسط الجديد هو تأمين هيمنة “إسرائيل” على المنطقة.

رغم ذلك، يقضي القانون الدولي بأن القوانين المحلية لا سلطة ولا حدود لها خارج سلطة البلد الذي صدرت منه. وبالتالي، فإن كل القوانين المتعلقة بفرض الحصار والعقوبات هي جريمة إبادة جماعية للشعب السوري، ولكل الشعوب التي يطالها الحصار والعقوبات.

 

ثلاثة أبواب للرد على العقوبات

تابع العاني مسار الأحداث حتى العام 2019، حيث صدر ما يسمى “قانون قيصر” لمساعدة السوريين، بحسب واضعي القانون أصحاب (“الحس الإنساني المرهف!!”). وينص القانون على إضافة إجراءات تتعلق بالطوارئ الوطنية بخصوص سورية، وأنا شخصياً لا أدري ما علاقة سورية بالطوارئ الوطنية الأمريكية، وكيف تؤثر سورية على المصلحة القومية الأمريكية!!

في الواقع، يهدف القانون إلى منع سورية من إنتاج النفط وهو عصب الحياة، ولم يقل لنا أحد حتى اليوم ما هي العلاقة بين بيع النفط وحماية المدنيين. لقد تجلت آثار العقوبات الاقتصادية وعلى رأسها ما يسمى “قانون قيصر” أثناء وقوع الزلزال في سورية، حيث كان هناك نقص حاد في معدات الإنقاذ، ونقص الأدوية والأسّرة وسيارات الإسعاف في المشافي.. للأسف، هذا الحصار التزم به بعض العرب قبل أن يلتزم به الأوروبيون والغربيون بشكل عام، كما فعلوا إبان فرض الحصار على العراق، والسؤال الذي يطرح نفسه هو التالي: ما هي السبل المتاحة للرد على العقوبات الظالمة ضد سورية؟

هنا يوضح الدكتور العاني أنه سعى منذ عشرين عاماً من أجل العراق، ومستعد للعمل من أجل سورية “ما حييت”، مشيراً إلى وجود ثلاثة أبواب للرد على العقوبات المفروضة على سورية:

  • الباب الأول أن تقدم الحكومة السورية طعناً لمقاضاة مجلس الأمن أمام محكمة العدل الدولية.
  • ثانياً قيام السوريين في أي دولة أخرى خارج سورية بتقديم طعن لمنظمة حقوق الإنسان، لمقاضاة الانتهاكات المرتكبة بحقهم من قبل الدول المعتدية.
  • ثالثاً طعن أي محامي عربي أمام قضاء بلده بضرورة إبطال فعالية الحصار والعقوبات، أي ابطال تطبيق “قانون قيصر” في بلده، وليس في أمريكا او أي دولة اوربية، داعياً كل محام عربي لكي يجاهد في بلده من أجل نصرة سورية وتخليصها من الحصار.

 

مداخلة الدكتور حيان حيدر

تحدث الدكتور حيان سليم حيدر بالإشارة إلى أنه سيقدم مداخلة حول السؤال الذي طرحه الدكتور مكرم عن تأثير هذه العقوبات على لبنان حتى قبل اغتيال رفيق الحريري، وقبل ما عرف بالقرار 1559 المتعلق بـ “محاسبة سورية”، لافتاً إلى أن هذا القرار صدر عام 2004 أي بعد عام 2003، عام الغزو الأمريكي للعراق، ويومها ذهب سياسيون لبنانيون إلى واشنطن ومثلوا أمام الكونغرس أثناء إصدار القرار. في تلك الفترة، كان لبنان يستعد لخوض الاستحقاق الرئاسي، وبسبب ذلك القرار قامت القيادة السورية بالتمديد للرئيس ايميل لحود، وحدثت محاولات اغتيالات في ذلك العام. ثم وصلنا إلى العام 2005، وحادثة اغتيال الرئيس رفيق الحريري، فبدأت أطراف كثيرة استثمار هذه الحادثة، ولكن لم يتحرر لبنان من آثار القرار 1559، ولا من كل القرارات والعقوبات على لبنان، واستمر هذا الوضع إلى حين تم انشاء المحكمة الخاصة باغتيال الحريري، والتي لم تفض إلى أي نتيجة حتى اليوم على الرغم من إغداق ملايين الدولارات عليها.

ذلك التفجير أفضى بلبنان إلى الفوضى والفتنة، وما زال لبنان يعيش آثاره حتى هذا اليوم، حيث يعاني تبعات وآثار الحصار والعقوبات التي على شاكلة ما يسمى “قانون قيصر”، إذ صدرت عقوبات على شخصيات سياسية لبنانية منذ حادثة اغتيال الحريري، واللبنانيون يدفعون الثمن. على سبيل المثال، صدرت عقوبات ضد البنك اللبناني الكندي، وبنك الجمال، لكن الحقيقة أن الدولة المارقة التي تسمى الولايات المتحدة ينطبق عليها المثال القائل “يللي استحوا ماتوا”، لأنه بعد سبعة أعوام من إغلاق البنك اللبناني الكندي، يصدر من الخزانة الأمريكية تقرير يقول إن هذا البنك لم يكن يبيض الأموال، وأنه أغلق عن طريق الخطأ، وربما بعد فترة يحصل نفس الشيء لبنك الجمال.

لبنان يشهد على الدوام سيفاً مسلطاً على الرقاب تحت مسمى العقوبات الأمريكية، وبرأيي فإن الحصار على لبنان هو نفسه الحصار على سورية، لكن تأثيره على لبنان أكبر بكثير ولكن ليس له اسم رنان كـ ” قيصر” مثلاً، كما أن السفيرة الأمريكية تتدخل في كل شاردة وواردة في لبنان. ثم هناك 140 مليار دولار حجم السرقة التي يسمونها فجوة مالية أو هوة رقمية، وبالتالي لبنان في حالة أصعب من الحصار المباشر.

 مداخلة عمر زين

رحب عمر زين، نقيب المحامين العرب السابق، باقتراح الدكتور العاني، مشيراً إلى أنه لتحقيق ذلك، أي للرد على العقوبات، لا بد من توجيه دعوة لكل محام عربي لتقديم دعاوى حول رفع الحصار، وأنا على استعداد لمخاطبة كل النقابات العربية للعمل في هذا الشأن. والشرح التفصيلي الذي قدمه الدكتور العاني يمكن تلخيصه بما قاله ذات يوم بن غوريون: “إذا كانت القنبلة الذرية لا تحميك يا إسرائيل فعليك بتقسيم ثلاث دول هي العراق – سورية – مصر”. وهذا التحرك سيدفع عدداً من الحكام العرب للاتصال بواشنطن ليقولوا لها: نحن أصبحنا محرجين أمام شعوبنا، هناك ضغط كثيف في الشارع، وهناك محامون ورجال قانون، والجميع يسألون، لذلك علينا أن نفعل شيئاً لحفظ ماء الوجه على أقل تقدير.

في ختام الندوة تم الإعلان عن تقديم أول دعوة لدعم سورية، وكسر الحصار، إلى الحكومة البريطانية باستخدام كل السبل القانونية لهذا الأمر، مع التنويه إلى أن كل ما استهددفته هذه الندوة هو إلقاء الضوء على الجانب القانوني والقضائي للعقوبات الاقتصادية والحصار، والبحث عن كيفية الرد عليها.