اقتصادصحيفة البعث

أشيروا إليهم بالبنان!

حسن النابلسي

أغلب الظن – إن لم يكن يقيناً – أن المواطن ملّ خطابات مسؤولينا وتصريحاتهم الإعلامية المنمقة حيناً، والمسوّفة حيناً آخر، وبات بحاجة لحلول جذرية وبالسرعة الكلية لكل ما يواجهه من أزمات وصعاب يومية تنغص عليه حياته، وأن تبتعد مفاصل جهاتنا التنفيذية كافة عن تعليق فشلها بإدارة أمور البلاد والعباد على شماعة الأزمة، وضرورة البحث عن سبل وآليات غير عادية تتناسب وأزمة غير عادية، والأهم من ذلك عدم التركيز فقط على الكوادر التكنوقراطية الأكاديمية، وإنما العملية ذات الخبرة الكافية والقادرة على التعامل مع التحديات بمرونة لا تخلو من الحزم، ولعل وضع الرجل المناسب في المكان المناسب، هو أنسب السبل لتفكيك كل العقد الناجمة عن فساد طالما أذاقنا المرَّ ولا يزال بشتى أشكاله.

ولعل سر عدم ثقة المواطن السوري ببرامج حكوماتنا المتعاقبة خاصة الأخيرة منها، لا ينحصر فقط بذهنية من هو قائم على تطبيق ما يدعيه من برامج وآليات للإصلاح ومكافحة الفساد، وتحسين مستوى المعيشة، وإنما بماهية هذه البرامج وعدم تأمين الكوادر الكفوءة بتطبيقها ومتابعتها، أو بالاثنين معاً.

عديد الملفات تنتظر المعالجة، ويتصدرها ضبط سعر الصرف لكونه العامل الأول لاستقرار السوق وتنشيط الحركة التجارية من خلال تفعيل الإنتاج وما يتمخض عن ذلك من تأمين الاحتياج المحلي وبالتالي تخفيض الأسعار من جهة، وإمكانية توسيع دائرة الصادرات الكفيلة بتحقيق إيراد للقطع الأجنبي، وانعكاس ذلك كله بنهاية المطاف على تعزيز الليرة السورية وقدرتها الشرائية، والأهم عكس الصورة الحالية القائمة على تقلص –إن لم نقل انعدام- ثقة المواطن بالوضع الاقتصادي بشكل عام وبالليرة بشكل خاص، ومسارعة الكثيرين إلى استبدال مدخرات بالدولار والذهب والعقار خشية انحدار سعر الصرف إلى أدنى درجاته، والاستعاضة بها بإعادة توجيه هذه المدخرات ضمن المسارات الإنتاجية.

هذا الأمر يتطلب أولاً الضرب بيد من حديد بكل من يضارب بسعر الصرف، وثانياً اعتماد سياسة نقدية غير تقليدية تستهدف أن يكون مصرف سورية المركزي هو القائد والمسيّر للسوق الموازية، وقد خطا بالفعل خطوات جريئة بهذا الاتجاه –وإن كانت متأخرة- لعلّ أبرزها إصدار نشرة خاصة بالحوالات والصرافة قلصت إلى حدّ كبير الفجوة بين السعرين “الرسمي والموازي”.

لكن هذه الخطوات لم تكتمل بعد لاسيما إذا ما علمنا أن ثمة فئة من التجار هي بالأساس انتهازية ولم تخف وجودها يوماً في مفاصل اقتصادنا الوطني، كان لها دوراً –وربما لا يزال- حال دون إمساك السلطة النقدية في مرحلة من المراحل بسعر الصرف، وتركه في مراحل أخرى!

أخيراً.. نعتقد أن السلطة النقدية تدرك أهمية كفّ يد المضاربين عن السوق خاصة الكبار منهم، إلا أنها –مع إقرارنا بصوابية قراراتها الأخير- لم تستطع وبعد مرور ما يزيد عن عشرة سنوات من عمر الأزمة أن تشير بأصابع الاتهام إلى المضاربين، ما يثير الكثير من علامات الاستفهام حول الرغبة أو القدرة على السيطرة على السوق!.

hasanla@yahoo.com