ثقافةصحيفة البعث

المجازف جمال الظاهر… رحيل مبكر

أمينة عباس 

صُدم الوسط الفني برحيله المبكر منذ عدة أيام بعد صراع مع المرض، وهو من صنَّفتْه مجلتا “نيوكس مجازين” و”نيويورك تايمز” كمجازف أول من نوعه عربياً، وتاسع عالمياً، وهو المسؤول عن أغلب مقاطع المجازفات والآكشن وتدريب الفنانين على المشاهد القتالية عربياً، وأول سوري يقوم بهذه المهمة في أفلام أوربية وأميركية، منها فيلما “أسامة” و”شيفرة دافنشي” وعدد آخر من الأفلام، إضافة لإخراجه أربعة أفلام في هوليود.

التحدي 

ولكلّ ما سبق قبل التحدي في متابعة إخراج مسلسل “الجوكر” (كتابة ماجد عيسى، معالجة درامية نعيم الحمصي)، مرمماً للكثير من المشاهد التي سبق أن قام مخرج آخر بتصويرها، مع أنه كان يعرف أن عدداً من المخرجين رفضوا إكماله بعد أن صُوّرت منه مشاهد كثيرة لقناعتهم أن إكمال العمل وتصحيح الأخطاء أمر صعب ومستحيل ومغامرة خطيرة، إلا أن طابع العمل البوليسي القائم على التشويق والإثارة والمطاردات جذبه لقبول التحدي، لأن ذلك يتناسب مع طبيعة عمله، خاصة وأنه كان في “الجوكر” مخرج معارك، ولأنه يجازف بحكمة. وقد تردّد في بداية الأمر في إخراجه حتى لا يأخذ مكان المخرج السابق، لكن عندما اكتشف أنّ حرباً شُنَّت عليه لمجرد طرح اسمه بحجة أنه مصمّم ومخرج معارك، ويلعب دوبلير للممثلين، ولا يجوز له – برأي البعض – أن يخرج، قَبِل التحدي، خاصة وأنه سبق وأخرج العديد من أفلام الآكشن عربياً وفي أوروبا، مبيناً وقتها أنه لم يكن ينوي أن ينافس أحداً لأنه يقدّم عملاً درامياً ينتمي لأعمال الآكشن بما فيها من مطاردات ومغامرات، وكان مدركاً أن مخرج الآكشن يختلف عن مخرج الدراما.

الأرض الوعرة

قبل “الجوكر”، كان الظاهر يستعد لإخراج عمل آخر لا يميل للآكشن بعنوان “في الأرض الوعرة”، عن نص كتبه عام 2016 كفيلم سينمائي، إلا أنه فَضَّل في النهاية تحويله إلى مسلسل، فأسند السيناريو والحوار لنعيم الحمصي ليكون مسلسلاً من 30 حلقة كان يحلم بتنفيذه، وهو يتناول تجارة المخدرات والأطفال المتسولين.

“اللعنة 13” 

حين خاض الظاهر تجربته الإخراجية الثانية عام 2020، من خلال مسلسل “اللعنة”، وعد المُشاهد السوري والعربي أنه سيرى عملاً جديداً على صعيد الطرح والأسلوب والرؤية في عالم القصص البوليسية والجريمة والآكشن بعد تجارب متواضعة قُدّمَت على هذا الصعيد في سورية، إلى جانب تجارب مصرية أخرى ناجحة كان مشاركاً فيها كمخرج آكشن وحركة، دون أن ينفي صعوبة تقديم مثل هذا النوع في الوطن العربي عامةً وفي سورية خاصةً، خاصة وأن مثل هذه الأعمال لا تلقى الدعم والمساندة، وبالتالي فإن الخوض فيها مغامرة بحدّ ذاتها، ومع هذا كان مؤمناً أن هذا العمل سيلقى النجاح المطلوب من خلال إخراجه بأسلوب جديد وهوية جديدة، انطلاقاً من إصراره على تقديم عمل ينال الإعجاب والتقدير والاحترام، وهو الذي حرص على كتابته بطريقة سينمائية. 

صورة أخرى

رافق جمال الظاهر مخرجين كباراً، ولا ينكر فضل الكثيرين منهم عليه، كنجدة إسماعيل أنزور وباسل الخطيب ورشا شربتجي وزهير قنوع والليث حجو وشوقي الماجري، ومن مصر عادل أديب ومحمد فاضل ومحمد سامي، وبعض المخرجين الذين عمل معهم في أوروبا؛ ولا يخفي أنه تأثر بشخصية نجدة أنزور القوية، واستمتع بفن وتفاصيل رشا شربتجي، وأسلوب باسل الخطيب ولغته السينمائية في الدراما، والطاقة التي يتمتّع بها زهير قنوع، وإدارة شوقي الماجري للممثل وحركة كاميرته، وحلول محمد عزيزية، وتفاني عادل أديب في العمل. وكان يتمنى أن يجمع بين كلّ هذه المدارس وأن يُصنَّف ضمن هذا الجيل مؤمناً أن أي عمل فني لا ينجح إلا بوجود فريق منسجم مع بعضه.

جمال الظاهر 

من مواليد 1984، درس تصميم المعارك في براغ عاصمة تشيكيا لمدة ثلاث سنوات، ثم في معهد كودوكان في اليابان لمدة تسعة أشهر، تلقن خلالها الفنون القتالية الشرقية والتايلندية والكورية واليابانية والصينية، وتدرّب على فن المجازفة على أيدي أساتذة في هوليود، مثل ريكاردو كرو، والإسباني بيتر بيدريرو، ثم البريطاني إيان فان تنبرلي، والإيرلندي راسل مكلود، والأميركي كلايف كورتيز، والاسكتلندي جود بوير. وكانت بدايته وهو في الخامسة عشرة من عمره مع المخرج أنزور في مسلسل “تل الرماد”، كما نفذ أعمالاً فنية كثيرة، أهمها: “وادي الذئاب”، “باب الحارة”، “قمر بني هاشم”، “السيرة النبوية”، “إخوة التراب”، “العوسج”، “تاج من شوك”، “البحث عن صلاح الدين”، “صقر قريش”. وعلى المستوى العربي نفذ أعمالاً للفنانين عادل أمام وأحمد السقا وأحمد مكي وغادة عبد الرازق ونور الشريف، وفيديو كليبات لتامر حسني وهيفاء وهبي ونانسي عجرم وملحم زين وعاصي الحلاني، في حين أنجز عالمياً أربعة أفلام في هوليوود، وأفلاماً أخرى نذكر منها: “المياه الهادئة”، “دافنشي”، “غرين زون”، “مملكة النساء” ومن أعماله الأخيرة مسلسل “مربى العز” للمخرجة رشا شربتجي، والمسلسل المصري “فرعون”، ومسلسل “عين الشمس” (إخراج يزن أبو حمدة)، و”البوابات السبع” (إخراج محمد عبد العزيز)، والفيلم الصيني “جاي شان”.