Uncategorizedصحيفة البعثمحليات

فساد حبة القمح..!

بشير فرزان 

“أين تشتكي حبة القمح إذا كان القاضي دجاجة؟!”.. سؤال يختصر رحلة حبة القمح وواقع عمل القطاعات المرتبطة بها، إذ لا يمكن تصوّر أو تصديق حجم ما يمكن أن نسمّيه فساد حبة القمح التي يُجنى من ورائها المليارات عبر المتاجرة بأطنان القمح، واستخدام الأساليب الملتوية لإنتاج الثروات الخاصة، بدءاً من الاستيراد، هذا عدا عن انزلاق العملية في زواريب التلاعب بالجودة والنوعية، فقد يتمّ طلب استيراد القمح العلفي ليكون مصيره مرتبطاً بالشوائب والتحول إلى النخالة العلفية على حساب إنتاج رغيف الخبز. وهنا ندخل في متاهة المطاحن التي تستنزف عشرات المليارات بالتلاعب بالمواصفة ودرجات الرطوبة وسرقة الطحين، ثم تنتقل العمليات إلى المخابز التي تسيطر عليها منظومة من المشرفين الذين يتمّ اختيار الكثيرين منهم لاستثمار حبة القمح على حساب المواطن، ويكفي أن نشير إلى أن غلة البعض من هؤلاء تترواح ما بين 7 و10 ملايين ليرة يومياً، حسب المخصّصات، وذلك من خلال التلاعب بوزن الربطة وحجم الرغيف والطحين والخميرة والملح والمازوت والأكياس، والأمر ذاته يتمّ في الأفران الخاصة.

وفي وقت يتضوّر الناس عوزاً وفقراً، نجد أن حبة القمح التي تُجلد بسياط الدعم بمختلف أنواعه، وتُحاصر وهمياً بالخطوط الحمراء، باتت “أس” الفساد – كما يقال – وطحينها أصبح كنزاً. وما يعزّز هذه الحقيقة أن جميع الملفات التي تُثار بهذا الشأن مصيرها التجاهل و”اللفلفة” غير المقنعة أو القانونية، حيث تبقى وقائع الإدانة والاتهام حبراً على ورق. وبشكل عام، لو أخذنا خزعة معاشية من حياة الناس لوجدنا أنها مصابة بنوعين من الأمراض المستعصية، فهي من جهة مصابة بتداعيات العقوبات والحصار الذي دكّ كافة مناحي الحياة وأرداها في غياهب المجهول بكلّ متاهاته وتداعياته الفتاكة على يوميات المواطن السوري، أما المرض الآخر فهو الفساد الذي بات حالة عامة شلّت التفاؤل واقتلعت مقل الآمال التي لم تعد ترى سوى خيبات الأمل المكتنزة بالفشل العلاجي!

وما بين الحالتين تتساقط وصفات الشفاء والعبور إلى ضفة الأمان، فالجسم الحكومي غير قادر على استجماع إجراءاته المبعثرة والمتخبطة بعد جولات من التصريحات المتكررة التي سدّت منافذ الثقة بين المواطن والمسؤول على اختلاف مستوياتها. ولا نقصد هنا وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك فقط، بل المقصود كل من يساهم في تأزيم الواقع وتاخير الحلول من المؤسسات العامة أو الاشخاص الذين يستثمرون في معاناة المواطن  الذي يدفع ضريبة كبيرة جداً تفوق طاقة احتماله وتهدّد لقمة عيشه بسعراتها المعاشية المتدنية في أسواق هاربة من كلّ شيء إلا من سلطة الدولار والتجار.

بالمختصر.. إذا كانت حبة القمح مريضة ومثقلة بالأعباء المادية، فمن الطبيعي أن يكون رغيف الخبز مخضباً بتعب الفقراء وليس غريباً، بوجود آلاف المنتفعين من هذه الحبة، أن تستمر الأمور على حالها في الهدر والاختلاس، رغم أن الحلول موجودة لمن يريد أن يحرك فعلياً قاطرة العمل والإنتاج، وأن ينهض بالواقع المعيشي، ولن يكون ذلك ممكناً إلا على سكة المحاسبة والمساءلة، وكشف جميع المتورطين بفساد حبة القمح التي لا تجد من تشتكي إليه سوى الدجاجة التي تبيض ذهباً!!