صحيفة البعثمحليات

معاناة زراعية متكررة.. والسبب غياب الرقم الإحصائي الدقيق لحجم الاستهلاك المحلي

محمد العمر

يواجه القطاع الزراعي اليوم تحديات جسيمة على مستوى الاقتصاد، بعد أن باتت فاتورة المستلزمات الزراعية عند الفلاح أغلى بكثير من فاتورة الدخل، وهو ما حذّر منه خبراء في الزراعة والاقتصاد قبل سنوات من أن الزراعة بحاجة لخطوات جريئة وقرارات ملموسة على أرض الواقع تعزّز من زيادة الإنتاج وتحسّن القطاع بأكمله، وتزيل المعوقات بشكل يضمن مساهمة القطاع في الناتج المحلي الإجمالي، ويحقق الأمن الغذائي للمواطن.

مخاض

الخبير الزراعي والمستشار الفني في اتحاد الغرف الزراعية المهندس عبد الرحمن قرنفلة أكد أن القطاع الزراعي يمرّ بمرحلة صعبة من ارتفاع كلّ شيء حوله، وهي تكاليف مرهقة أنهكت الفلاح بالمستلزمات الإنتاجية وجعلته يحجم عن الزراعة، وهذا كلّه جاء مكملاً لصدمات تعرّض لها القطاع الزراعي طيلة العشر سنوات الماضية، وبشكل أضعف مكونات المجتمع الريفي المنتج وأثّر على بنيته وساهم في تراجع الإنتاج الزراعي عبر هجرة الكثير من المنتجين لأراضيهم الزراعية، وكلّ ذلك تحت وقع الخسائر التي تعرضوا لها نتيجة صعوبة الحصول على مدخلات الإنتاج.

واعتبر قرنفلة أن هناك عدة عوامل باتت تتحكّم بقرار الفلاح أو المزارع تجاه زراعة محصول ما، والعزوف بالتالي عن زراعته، وفي طليعتها مدى اقتصادية هذا المحصول، وحجم الربح المتوقع من زراعته، وحجم تكاليف الزراعة، ودرجة ضمان تسويق الإنتاج مع تحقيق مردود مادي مجزٍ، ومدى توفر مستلزمات الإنتاج، إضافة إلى المفاضلة بين المحاصيل من حيث تحقيق أعلى ربح ممكن. وأشار قرنفلة إلى أن هناك اضطراباً واسعاً بالعرض والطلب للسلع الزراعية، ويعود ذلك برأيه لجملة أسباب متداخلة، يأتي في مقدمتها غياب الرقم الإحصائي الدقيق لحجم الاستهلاك المحلي السنوي، والطاقات التخزينية المتاحة التي تحقق ضماناً في سلامة الإنتاج حتى تاريخ تسويقه، وكذلك غياب الإحصاءات حول حجم الطلب الخارجي المتوقع على المادة، إضافة إلى سبب آخر مهمّ وهو عدم معرفة المساحات المزروعة فعلاً بالمادة، ومدى تطابقها مع المخطّطات الزراعية، طبعاً إذا كانت الخطط مبنية بالأساس على رقم إحصائي دقيق، وهذا الغياب للإحصاءات خلق إرباكاً لحركة السوق وضبط إيقاعها، خاصة وأننا لا نزال منفعلين وغير فاعلين كجهات رسمية في رعاية الإنتاج الزراعي ورعاية الفلاح، وحسب قوله، في دول العالم المتقدم هناك إحصاءات وأرقام لمنتجات زراعية تدخل في أسواق الجملة تساهم في بناء خطط دقيقة للإنتاج والاستهلاك.

الحلول

وأوضح قرنفلة أنه حتى لا تتكرّر المشكلات في تأمين المواد بالسوق كما حصل مع البصل مؤخراً، فإن الحلول تكمن في تأسيس شركات تسويق متخصّصة وتعاقدية تقوم بتسويق نوع أو أكثر من المنتجات الزراعية عن طريق التعاقد مع الفلاح على زراعة محصول ما، على أن يتمّ التقيّد بتعليمات الشركة فيما يتعلق بأمور الزراعة والعمليات الزراعية ومواعيد الجني والتعبئة، إلى ما هنالك من أمور تساهم في نجاح عمليتي الإنتاج والتسويق، وطبعاً هذه الشركات سيكون لديها كوادر تخصصيّة وفنية قادرة على وضع تنبؤات إحصائية حول حجم الطلب الداخلي والخارجي والمواصفات المطلوبة للمنتج لمتابعة العمليات الزراعية وصولاً إلى تصريف الإنتاج، وتحقيق هذا كلّه يحتاج إلى بيئة تشريعية أولاً وإلى استقرار بالقرارات الاقتصادية المتعلقة بالتصدير ثانياً، وما يتبعه من أمور إعادة القطع الناتج عن التصدير، فضلاً عن الحاجة لإنشاء قرى تصدير زراعية في الموانئ والمطارات تضمّ تجهيزات قادرة على حماية المنتج الزراعي حتى عملية نقله إلى الأسواق الخارجية، إضافة إلى هذا وذاك لا بدّ من إعادة صياغة أساليب العمل في أسواق تجارة جملة الخضار والفواكه وتحديثها، ووضع ضوابط تحدّد حجم دخول وخروج المنتجات الزراعية لكل سوق على حده. وبيّن قرنفلة أنه قبل كلّ شيء يجب أن يكون شعار الحكومة خسارة الفلاح خط أحمر، لأن خسارة الفلاح اليوم هي خسارة الوطن لأهم مقومات الأمن الغذائي.