مجلة البعث الأسبوعية

حالة التوازن المتوتر بين موسكو والناتو ..

د. مهدي دخل الله

ينقسم المحللون السياسيون إلى قسمين واضحين في تقييمهم لما أسمته موسكو ( العملية الخاصة في أكرانيا ) . قسم لا يرى سوى فشل روسيا ، والآخر لا يرى سوى فشل الناتو . والمثير أن القسم الأول يريد أن يؤكد بشكل غير مباشر انتصار الناتو ، والثاني انتصار روسيا ..

لعل دوغين كان أول من تحدث بوضوح حول الموضوع  مستنداً إلى الموضوعية ، بما في ذلك إظهار مشكلات بلده روسيا في الحرب . ولا أريد هنا تلخيص ما قاله ، وإنما أحاول التفكير في إطار نهج موضوعي . أول مستندات التحليل أن نحدد ما هي أهداف كل طرف ، ثم بعد ذلك مناقشة ما تم تحقيقه وما لم يحقق .. هنا وهناك ..

هدف موسكو كان حماية شعب الدونباس الذي أعلن أنه شعب روسي مضطهد من أكرانيا . الهدف الثاني – وهو الأهم – فرض مبدأ الأمن المتبادل الذي يحمي أوروبا وروسيا بالتساوي .

بالمقابل هدف الغرب تمديد الناتو إلى أقرب نقطة من موسكو ، إضافة إلى عزل أوروبا اقتصادياً وسياسياً عن روسيا واستعادة نظرية ( العدو المفيد ) ..

أين وصل الطرفان ؟ لاشك في أن موسكو تواجه حرباً شرسة ضد الغرب الناتوي بكامله ، ولعلها لم تكن تتوقع هذا العناد الغربي . ومن الواضح أن قوة الناتو العسكرية أضعاف قوة روسيا ، وأن أكرانيا تغرف من نبع لا ينضب من الدبابات والمدافع و الأسلحة الأخرى .

لكن الروس بالمقابل حققوا أموراً مهمة ، منها السيطرة على أكبر أجزاء الدونباس ، وعلى ميناء ماريوبول المهم للتواصل مع القرم . ونجحت موسكو في مواجهة الضغوط والعقوبات الاقتصادية عبر اجراءات اقتصادية قوية أدت إلى ارتفاع سعر صرف الروبل ( عادة في الحروب ينخفض سعر العملة الوطنية بشكل مأساوي ) .

الناتو ، بالمقابل ، ربح في إفشال رؤية موسكو لحرب أقل عنفاً وتدميراً . هنا لابد من الإشارة أن روسيا لم تكن تظن أن الحرب ستكون خاطفة ( Blitzkrieg ) ، لكنها على ما يبدو لم تكن تتوقع هذا العناد الكبير من جانب الناتو وأكرانيا . إضافة إلى ذلك ، لم يسمح الغرب لموسكو أن تحقق حتى الآن هدفها الجيوسياسي الأول ، أي تطبيق مبدأ الأمن المتبادل وعدم تمدد الناتو شرقاً ..

لكن الغرب تفاجأ بالإرادة القوية عند الروس ، وبالالتفاف الوطني حول بوتين ، وبقدرة روسيا على المتابعة حنى النهاية . وفي الحقيقة ، بينما يصر بوتين على المتابعة ، بدأت القلاقل والمشاكل تظهر في الجانب الغربي ..

إنه التوازن المتوتر بين الطرفين ، لكن منطق التاريخ يعمل لصالح روسيا ، لأن الأمر متعلق بطرف يدافع عن نظام دولي وصل حدوده التاريخية ( أحادية القطب ) ، وطرف يعمل كي تتم ولادة النظام الجديد الذي لابد من أن يولد وفقاً للمنطق المذكور .

mahdidakhlala@gmail.com