دراساتصحيفة البعث

جوزيب بوريل يعترف بجر الأوروبيين إلى الحرب

هيفاء علي

في المقابلة التي أجراها مع صحيفة “فاينانشيال تايمز”، اعترف المنسق الأعلى للسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، أنه أساء استخدام ثقة الأوروبيين، ودفعهم لشراء الأسلحة لأوكرانيا، منذ بداية العملية العسكرية الخاصة الروسية، وذلك باستخدام ما يُسمّى “صندوق السلام الأوروبي” لتمويل الصراع في أوكرانيا بناءً على طلب الولايات المتحدة.

ليس هذا فحسب، بل إنه فخور جداً بالحجة المطروحة لكسر الإجماع الذي يعارض شراء الأسلحة الفتاكة، وبـ”نجاحه” في توجيه الدول الأعضاء لإرسال الأموال المتعلقة بشراء الأسلحة إلى صندوق السلام، علماً أنه لا يمكن استخدام صندوق السلام هذا لشراء أسلحة في إطار الميزانية المشتركة، وفقاً لبنود معاهدة لشبونة.

يُذكر أنه تمّ إنشاء هذا الصندوق في عام 2021 لتجنّب تطور النزاعات المسلحة، ولم يستخدم قط لشراء الأسلحة، قبل قرار الدعم العسكري للصراع في أوكرانيا. لكن بغضّ النظر عن ذلك، صرح بوريل ببساطة أن هذا الصندوق لم يكن جزءاً من الميزانية الرسمية للاتحاد الأوروبي، لذا لا يمكن أن يكون هذا البند عائقاً.

وغنيّ عن القول، إن بوريل لم يكن مضطراً لبذل المزيد من الجهد لإقناع الدول الأعضاء، التي تمّ استدعاؤها للمشاركة في تقديم المساعدة العسكرية. وهكذا تعمل تصريحات بوريل قبل كلّ شيء على إضفاء غطاء “أوروبي” على قرار اتخذه بوضوح في مكان آخر، ولكن يجب إضفاء الشرعية عليه محلياً، وتمّ وضع الآلية على الفور. وفي غضون ثمانية أشهر، تلقت لجنة الصليب الأحمر ما يزيد عن 4.7 مليارات يورو في طلبات السداد من 22 دولة عضو. وقد أصدر مجلس الاتحاد الأوروبي حتى الآن 6 حزم بقيمة 500 مليون يورو لتسليم المعدات إلى الجيش الأوكراني، بإجمالي 3.1 مليار يورو، بما في ذلك 2.82 مليار يورو من المعدات الفتاكة، و180 مليون يورو من المعدات غير الفتاكة.

وبحسب مراقبين، من الواضح أن كلّ شيء مخطّط له لتمويل هذا الصراع مهما كان الثمن، وفرنسا من أكثر الدول المشاركة، وإذا استمرت الحرب بالمعدل نفسه كما هي الحال اليوم طوال عام 2023، فستظلّ هناك حاجة إلى حزمة بقيمة 500 مليون يورو كلّ ستة أسابيع في عام 2023، بإجمالي 900 مليون يورو لفرنسا، إلا أن وزارة القوات المسلحة تحتفظ بأرقام المشاركة الفرنسية في الوقت الحالي، لكن فرنسا واحدة من الدول العشر التي تنفق أكثر على توريد المعدات العسكرية لأوكرانيا، ومن بين الدول الخمس إلى الست الأكثر مشاركة مالياً من القارة الأوروبية، بما في ذلك المملكة المتحدة. وفي غضون ستة عشر شهراً، تم إنفاق 52٪ من ميزانية 2021-2027 لمصلحة صندوق السلام.

كما تمّ إنشاء آلية عسكرية جديدة داخل الاتحاد الأوروبي، وهي بعثة الاتحاد الأوروبي لتقديم المساعدة العسكرية لأوكرانيا لتدريب القوات العسكرية الأوكرانية بشكل مباشر، حيث من المتوقع أن يستمر الصراع، وحيث أصبحت الأسلحة المرسلة متطورة أكثر فأكثر. في نهاية شهر آب الماضي، وخلال اجتماع غير رسمي لوزراء الدفاع جرى في براغ، وافقت الدول الأعضاء البالغ عددها 27 دولة على إنشاء مهمة مشتركة لسياسة الأمن والدفاع الأوروبي لمساعدة وتدريب الجيوش الأوكرانية، نتج عنه إنشاء هذه البعثة التدريبية.

الهدف قصير المدى بالنسبة للأوكرانيين هو إنشاء ثلاثة فيالق عسكرية جديدة بحلول آذار 2023، بحجم يقدر بـ75000 جندي، حتى يتمكنوا من أخذ زمام المبادرة في العمليات في الربيع المقبل، وتقدّر تكلفة تشغيل المشروع بـ106.7 مليون يورو. وبالمقارنة مع التكاليف العامة المعتادة، تمّ توسيع نطاقها، على سبيل المثال لنقل الجنود المدرّبين. في البداية تمّ منح البعثة مبلغ 16 مليون يورو، لشراء المعدات الفتاكة اللازمة مثل ذخيرة التدريب، فيما سيغطي مبلغ 45 مليون يورو احتياجات توريد المواد غير الفتاكة، بغضّ النظر عن تدابير المساعدة التي تديرها خلية غرفة تبادل المعلومات. وهكذا ثبت بالفعل أن الاتحاد الأوروبي هو طرف في النزاع في أوكرانيا، مما يعني أن الدول الأعضاء هي أيضاً طرف في النزاع، وقد أعلن بوريل ذلك في ميونيخ، وهو فخور بعمله.

لقد قرّرت الدول الأعضاء استخدام هذا الصندوق لتسليح أوكرانيا، كما قدمت هذه الدول دعماً عسكرياً بلغ إجماليه 12 مليار يورو وهذا إنجاز كبير، على حدّ تعبير بوريل، وهذه هي المرة الأولى التي “نقوم فيها بهذا، لقد كسرنا المحرمات، ومن المهمّ جداً الاستمرار في القيام بذلك”. مضيفاً: “نحن أهم مدرّب في الجيش الأوكراني، بحلول نهاية العام، سيتمّ تدريب 30 ألف جندي أوكراني من قبل بعثة المساعدة العسكرية التابعة للاتحاد الأوروبي”.

في السياق، سيسافر كبار المسؤولين الأمريكيين إلى أوروبا الشرقية للضغط على أولئك الذين لم يصوّتوا “بشكل جيد” للقرار المناهض لروسيا في الأمم المتحدة، حيث امتنع الكثيرون، مثل كازاخستان أو أرمينيا عن التصويت. عندما سيصل بلينكن، وزير الخارجية الأمريكي، إلى كازاخستان، لإعادة توجيه الخط السياسي للبلاد، ستكون هناك مخاطرة بالتوجّه ببطء نحو صراع واسع النطاق بسبب الغياب السياسي للقارة الأوروبية، التي لا تلعب دورها كحاجز ضد التعصّب الأطلسي.