صحيفة البعثمحليات

لا يُسمن ولا يغني من جوع!

معن الغادري

لم يصحُ المواطن من صدمة الزلزال وتداعياته وآثاره المادية والنفسية المدمّرة، حتى استفاق على زلزال من نوع آخر، يتمثل بجنون الأسعار التي تجاوزت كلّ الحدود والاحتمالات، في وقت تعدنا وزارة حماية المستهلك بتخفيض الأسعار، وتطالعنا صباح كلّ يوم بنشرة أسعار جديدة لا أحد يلتزم بها، أو يعيرها أي اهتمام، فالكلّ يغني على ليلاه، وعلى مبدأ المثل الشعبي “الطبل في حرستا والعرس في دوما”!.

وبطبيعة الحال، لم تعد خافيةً مرارة وقساوة الظروف المعيشية والخيارات والحسابات الضيّقة والمحدودة لذوي الدخل المحدود، والتي تزداد تعقيداً مع بدء العدّ التنازلي لقدوم شهر رمضان المبارك، وهو ما تعكسه قلّة حركة العرض والطلب في الأسواق إلى أدنى مستوياتها، ما يؤكد ثبات نظرية انعدام التوازن بين الدخل وما تتطلبه الأسرة من احتياجات المائدة اليومية والمائدة الرمضانية على وجه التحديد، إذ بات من الصعب بل من المستحيل أن تحافظ -المائدة الرمضانية- على هويتها وتقاليدها وتنوعها بما لذّ وطاب من المأكولات والحلويات والمشروبات التي اعتادت الأسرة عليها فيما سبق من المواسم الرمضانية المنتهية.

في الواقع، ما تشهده الأسواق في مثل هذه الأوقات تحديداً من فوضى وتخبّط واضحين، يعطي إشارتين واضحتين: الأولى أن وزارة حماية المستهلك غير قادرة على ضبط إيقاع الأسواق والأسعار، والثانية والأكثر دلالة ووضوحاً هي أن كلمة التجار -كبارهم وصغارهم- هي العليا والأكثر سطوة وجرأة وفوق كلّ القوانين، وهو ما يفسّر صعوبة ثبات الأسعار ولو لساعة واحدة، إذ نجد أنها في ارتفاع متواتر من ساعة لأخرى، بعيداً عن أعين الرقابة التموينية، والتي يجدها المواطن عبئاً ثقيلاً على كاهله، وحملاً وديعاً على التاجر!.

ما نودّ قوله إن استمرار “حالة التطنيش” لواقع حال المواطن المعتر والمنكوب يعطي مبرراً إضافياً لتمادي التّجار واتساع دائرة التجاوزات والمخالفات والتي بلغت حداً صادماً وكارثياً خلال الأيام التي أعقبت كارثة الزلزال وسبقت قدوم شهر رمضان، وهنا لا بدّ من أن يكون التدخل ناجعاً ومفيداً ويحسّه المواطن على الأرض، بعيداً عن منصات شبكة التواصل الاجتماعي والكلام الفيسبوكي، والذي لا يقدّم ولا يؤخر، ولا يسمن ولا يغني من جوع. ونعتقد أن الفرصة متاحة أمام وزارة حماية المستهلك لإقران قولها بفعلها، من خلال التحريض على العمل الخيري، وإلزام كبار التّجار والمستوردين بتوفير المواد والسلع الغذائية واحتياجات المائدة الرمضانية بأسعار متهاودة، وتحديداً خلال هذه الأيام الفضيلة، وألا تكون أعين رقابتها بعيدة عما يُسمّى مهرجانات ومعارض التسوق، والتي تنشط عادة خلال هذه الفترة بظاهر خيري وإنساني، إلا أن مضمونها غالباً ما يكون ربحياً ونفعياً وبدعم ورعاية رسمية!.