مجلة البعث الأسبوعية

أنجز ألفاً من “راحلون في الذّاكرة”.. محمد عزوز: مخطوطات كثيرة برسم الطّبع

نجوى صليبه

تعود فكرة التّوثيق لديه إلى أيّام اليفاعة، عندما بدأ بتوثيق الكثير من المواقف والأحداث التي تمرّ في حياته، لكنّ التّوثيق الأدبي على وجه الخصوص كان مع بداية اطّلاعه على الموادّ الثّقافية في الصّحافة السّورية والعربية، يقول القاصّ محمد عزوز موضّحاً: أخذت فكرة التّوثيق شكلها أكثر عندما بدأت أجمع تلك المواد الثّقافية بأرشيف ورقي مرتّب على رفوف مكتبتي، وهو الآن يضمّ آلاف الشّخصيات المبدعة سواء أكانت في ماتزال على قيد الحياة أم رحلت عنها، وذلك في ملّفات تحمل أرقاماً يسهل الوصول إليها، واستمرّ ذلك مع الاعتماد على ملفّات إلكترونية أصبحت العودة إليها أكثر سهولة، مبيناً: اخترت هذا الطّريق لكي أتمّ حبّي للأدب والثّقافة والمشتغلين فيهما واهتمامي بشخصيّات مرّت في حياتنا يجب أن نذكّر فيها على الدّوام، ونستذكر ما قدّمته في رحلتها الحياتية.

ولا ينحصر توثيق عزوز في حيوات الشّخصيات الثّقافية المحلية أو العربية بل يتعدّاهما إلى العالمية وفي مختلف المجالات، فنراه يكتب حول روائيين وقاصّين وفلاسفة وشعراء وموسيقيين وباحثين وإعلاميين، وهذا ما قد يُصعّب عليه مهمة جمع معلومات دقيقة، يقول: الحصول على المعلومات يتناوب بين السّهل والصّعب، لأنّ الغالبية تهتمّ بالشّخصيات الأكثر شهرةً، أمّا تلك الأقل شهرةً فأضطر حين إعداد مادّة عنها إلى اللجوء إلى التّواصل الشّخصي مع أهل الأديب الرّاحل أو أقربائه وأصدقائه، كما أضطر عند إحساسي بعدم الموثوقية إلى مقاطعة المعلومات وذلك بالاعتماد على مصادر عدّة والوقوف عند أكثرها دقّةً، وفي الغالب يكون الاختلاف في تاريخ الوفاة أو بعض بنود نتاجات الأديب، وهذا نستطيع تجاوزه كما سبق وذكرت بالتّواصل الشّخصي أو بالاعتماد على مصادر أكثر ثقة، لكنّ الصّعوبة تكمن في عدم توافر أي معلومات منشورة عن أديب ما، وهنا أحتاج إلى جهدٍ أكبر للتّواصل والبحث، وعلى الرّغم من ذلك فإنّ حالات الفشل قليلة وتكاد تكون نادرة.

“راحلون في الذّاكرة” هو عنوان العمل الموسوعي الذي أنجز منه عزوز جزءاً كبيراً، لكنّ صعوبة الطّباعة المرتبطة بشكلٍ أساس بتكلفتها يحول دون أن يرى هذا الجهد النّور، يقول: الألف الأولى من العمل جاهزة للطّباعة، وهي مكوّنة من أربعة أجزاء، وتتضمّن الحديث عن ألف مبدعٍ، والأمر لا يحتاج إلّا إلى تغطية تكاليف طباعته، أو تبنّيه من جهة قادرة على التّمويل، وأنا بصدد الانتهاء من الألف الثّانية، أي الحديث عن ألف مبدع آخر، سوريّ وعربيّ وأجنبيّ، وستنتظر كسابقتها من يموّل تكاليف طباعتها، وقد أضطر في النّهاية إلى تحويل العمل بكلّ أجزائه المنتهية إلى كتاب إلكتروني، يكون في متناول الجميع، فأنا لا أبحث عن ربحية أعرف أنّها لن تكون في متناول اليد  بل انتشار جيّد، وأشير إلى أنّني سأستمر في هذا العمل ما دمت قادراً على القراءة والكتابة.

وليست هذه التّجربة الأولى للقاصّ في التّوثيق، بل صدر له في عام 2010 كتاب “شعراء سلمية” بجزئه الأوّل، وفيه تحدّث عن تجربة 35 شاعراً من مدينته “سلمية”، يقول: هذا الجزء تبنّت طباعته وتوزيعه جمعية ثقافية بيئية في المدينة هي “جمعية أصدقاء سلمية”، أمّا الجزء الثّاني الذي أعددته ويضمّ تجربة خمسين شاعراً آخر من ذات المدينة، فلم يطبع بعد للأسباب ذاتها التي وضّحتها آنفاً والتي تتعلّق بصعوبات الطّباعة.

بدأ عزوز الكتابة منذ أواخر السّبعينيات شعراً وقصّة ونشر بعض نتاجه في الدّوريات السّورية والعربية عام 1979، وفي رصيده الأدبي المطبوع ست مجموعات قصصية، وهي بالتّرتيب: “ويبدأ الهمس” عام 1995 و”زاروب العين” عام 1997 و”قرط خدوج” عام2004  و”حروف الدّمع” عام 2010  و”جدراني أَوْلى” عام 2018 و”نفياً منفيا” عام 2019 بالإضافةً إلى مجموعة قصصية للفتيان بعنوان: “بناء سلمية” صدرت في عام 2017، ولأنّ العمل التّوثيقي يتطلّب جهداً كبيراً ووقتاً طويلاً، فإنّه من الممكن أن يعيق الباحث عن كتابة القصّة أو أي عمل أدبي آخر؟ يجيب عزوز: المجموعات القصصية السّت صدرت في أعوام متباعدة بين 1995 – 2019، وخلالها كانت الطّباعة ميسّرة إلى حدّ ما، أمّا المجموعة السّابعة فقيد الطّباعة، وأنا لا أزال أكتب القصّة التي أعدّها ميداني الأرحب والأجمل، وأقدّمها على منابر مختلفة في أرجاء الوطن.

“قصص مدينتين” و”وجوه ومرايا” عنوانان لكتابين شارك فيهما عزوز، ويتضمّن الأوّل قصصاً قصيرة لقاصّين من محافظتي حماه وحمص والتّعريف فيهم، وأمّا الثّاني فيتضمّن مجموعة قصص لقاصّين من مختلف المحافظات السّورية، يوضّح عزوز:  في المحصلة هذه تجربة جيّدة، فمن الجميل أن يضمّ الكتاب نماذج مختلفة لمجموعة قاصّين، لكنّي لا أرى أنّه يمكن أن يكتب القصّة الواحدة أكثر من كاتب، فلكلّ أسلوبه ونمطه المميز.

يسخّر عزوز وقته كلّه للعمل الثّقافي ولاسيّما بعد تقاعده من العمل قبل عشرة أعوام، فقد أسس صالوناً أدبياً في مدينة سلمية منذ عام 1993ولا يزال مستمراً حتّى الآن، ولم يتوقّف إلّا مرتين ولفترة قصيرة جدّاً، وكان السّبب في الأولى انتشار جائحة “كورونا”، وأمّا الثّانية فكانت في العام الماضي بسبب سفره خارج القطر لزيارة أولاديه، يبيّن: نجتمع لتبادل أخبار الثّقافة والأدب، ومناقشة موضوع ثقافي محدد بشكلٍ مسبق، أو مادّة أدبيّة سواء أكانت نصّاً أم كتاباً يصلنا، ويشاركنا العمل في الصّالون مجموعة من أدباء المدينة ومثقّفيها، منهم من رحل ومنهم من يتابع العمل معنا، وزارنا الكثير من الضّيوف من أدباء سورية من مختلف المناطق فيها.

يذكر أنّ الأديب محمد عزوز من مواليد قدموس عام 1958، وحاصل على إجازة في الاقتصاد والتّجارة من جامعة دمشق عام 1982، ولديه مجموعات قصصية وأخرى شعرية ـ باللغة الفصحى وباللهجة المحكية ـ  ودراسات وأبحاث عديدة تقارب العشرة مخطوطات وهي جميعها وكما يقول: برسم الطّبع.