مجلة البعث الأسبوعية

في غياب الوعي ..المعاقون في مواجهة خاسرة مع التنمّر.. والمسؤولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع  

دمشق – وفاء سلمان

لا شكّ أن التنمّر بكل أشكاله وأنواعه (اللفظي، والجسدي، والاجتماعي، والالكتروني) غير مرغوب فيه في المجتمع كله، فكيف إن كان ذلك التنمّر موجّهاً إلى أشخاص ذوي احتياجات خاصة، والجميع يعلم الآثار السلبية التي تنتج عن مثل هذا السلوك، والسؤال هنا كيف يجب التعامل مع هذه الحالات التي تتعرّض للتنمّر؟ وما هو الدور الكبير الملقى على عاتق الأسرة في البداية ثم مراكز التربية الخاصة؟.

رنا عليّا (أخصائية استشارية طفولة مبكّرة) بدأت حديثها لـ”البعث” بالقول: إن للإعاقة عدة أنواع منها عقلية، وبصرية، وحركية، وسمعية، ومتلازمات يُطلق عليهم “ذوو الاحتياجات الخاصة”، ما يعني أنهم بحاجة إلى تعامل خاص، ولكن من خلال الاحتكاك بالمجتمع وبهؤلاء الأطفال لاحظت أن بعض الأسر قد بدأت التنمّر منهم، فهم يشعرون بالخجل من وجود طفل يعاني من إعاقة ما، ومنهم من لا يرغب بإظهاره للمجتمع ومنعه من الاختلاط المباشر مع أقرانه، وحتى إن البعض لا يملكون حس المسؤولية والحرص للاعتناء بأولادهم أو إرسالهم إلى مراكز متخصّصة، وكأنهم عبارة عن قطعة أثاث في المنزل لا أكثر، غير مبالين بالاهتمام بهم ليتمكنوا مع الأيام من الاختلاط بالمجتمع بعد معالجتهم من خلال خطة عمل تدريجية لتحسين حالتهم وتقديم الدعم لهم كي لا تبقى أي نظرة سلبية تجاههم.

حملات توعية

وذكرت عليّا أن البرامج التي يتم العمل عليها مع الأطفال في البداية، تتمثل بمقابلة الطفل وذويه لإدراك مدى تقبّل الأهل لوضعه، وفي حال وجود أي مشكلة يتم العمل على حملة توعية وجلسة دعم نفسي للأهل كي يكونوا مصدر قوة له وليس العكس، لأن خطة العمل يجب أن تبدأ من المنزل وبرعاية الأهل، وتم العمل على حملات توعية للأهالي من خلال الذهاب إلى منازلهم وشرح ما يستطيع أيّ شخص أن يقدّمه للمعاق من خدمات، بالإضافة إلى العناية التي يجب أن يتلقّاها من مراكز التربية الخاصة، وقد لاقى ذلك في البداية رفضاً كبيراً، ولكن بعد عدة محاولات تم التجاوب من الأغلبية، الأمر الذي يؤكد الدور الإيجابي الكبير لنشر التوعية في هذا المجال.

مهمّش

وأشارت عليّا إلى أنه تم العمل على إحصائية في منطقة وادي بردى، حيث تبيّن وجود نسبة كبيرة من الأطفال الذين وُلدوا ولديهم إعاقة، وهناك نسبة أخرى من الأطفال الذين تأثروا بنتائج مخلّفات الحرب، فبعض المراكز لا تستطيع تغطية جميع النفقات، والأجور المحصّلة من الأهالي رمزية ولا تسدّ الرمق كما يقال، بالإضافة إلى العثرات الكبيرة من نقص الوسائل والأدوات التي تحتاج إليها المراكز الموجودة في الريف بسبب طبيعة المنطقة الجبلية وصعوبة الوصول إليها نتيجة نقص المواصلات، وحتى تهيئة المكان المناسب الذي يحتاج إلى مواصفات خاصة لتقديم جميع الخدمات التي يحتاج إليها الأطفال، علماً أنه يتم تصنيع بعض الوسائل البسيطة بشكل محلي لعدم المقدرة على شرائها بسبب أسعارها الباهظة، ولكن يتم قدر الإمكان تأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة وتنميتهم فكرياً عن طريق جلسات توعية لتطوير الفكر وتعديل السلوك، أما بالنسبة لأطفال الإعاقة الحركية فيتم العمل معهم بعلاج فيزيائي، ويتم أيضاً استقبال حالات داون، ومتلازمة وليم، والإعاقة السمعية، ومشكلات النطق، والشلل الدماغي، وبالنسبة للتشبيك مع الجمعيات لم يتم إلى الآن بسبب وجود بعض العوائق والصعوبات، ولكننا في صدد ذلك.

وأضافت عليّا: لقد تم العمل على دمج الأطفال ذوي الاحتياجات الخاصة مع الأطفال الأصحاء في قاعة واحدة لتسهيل اندماجهم في المجتمع والتعوّد على وجودهم بشكل مستمر، ولكن يتم في البداية إجراء اختبارات لكل طفل حسب إعاقته ووضع خطط عمل فردية وجلسات فردية للطفل، ثم في نهاية الأسبوع تتم معاينة ما تم إنجازه، وما إذا كان بحاجة إلى تغيير أسلوب أو أخصائي كل حسب حالته، وتم التعاون أيضاً مع المدارس لإرسال أيّ طالب يعاني من صعوبات في التعلّم أو النطق إلى المركز المتخصّص.

رأي الطب النفسي

الدكتور فرانسوا داراني (أخصائي في الطب النفسي)، قال: بالنسبة إلى كيفية تعامل الأهل مع الطفل الذي يعاني من حالة إعاقة ما فهي تختلف حسب عمر الطفل، فبعضهم معتاد على إخفاء هذه الحالة حتى عمر الـ8 سنوات وهذا الموضوع ليس له علاقة بانفتاح الأهل أو انغلاقهم.

وأضاف: نلاحظ تقبّل بعض الأهالي السماح لطفلهم بمشاركة الآخرين، وآخرون يرفضون رفضاً تاماً حتى بعد اجتيازه عمر 11 سنة مثلاً، وذلك بعد أن يشعروا بمرحلة الأمان وعدم الخوف من تعرّض طفلهم للتنمّر من الخارج، مبيّناً أن الطفل لا يعلم حجم الإعاقة ولكن طريقة تعامل الأهل معه هي التي تعلمه بحجمها، فعندما يرى حالة تعاطف زائدة ذلك يسبب ازدياد حالته، وبالنسبة لعلاقات الصداقة مع أقرانه يجب تكوينها إذا كانت تؤدّي لحمايته نفسياً، ولكن خوف بعض الأهل من هذا التقارب يعطي حالة سلبية على المعاق، مؤكداً ضرورة المدح بأعمال هذا الطفل وعدم التقليل من شأنه، لأنه بإمكانه أن ينجح في حياته عند التركيز على نقاط القوة التي يمتلكها، وأن نشعره بأنه أقدم على إنجاز ما، فمثلاً بالنسبة للشخص الذي أسس “الأحرف النابذة” هو شخص فقد بصره بعد فترة ما من حياته، ما دفعه لإنجاز هذه الأحرف التي قدّمت الإفادة لجميع من يعانون من فقدان البصر، بالإضافة للملامسة الجسدية “العناق” التي تعدّ مهمة له وذلك بعد أن يفرغ كل ما يرغب به من كلام  ثم الإجابة على كل الأسئلة التي يطرحها بما يتناسب مع ما يرضيه فهو لا يرى الأمور كما يراها الآخرون، وأضاف: إن التكنولوجيا مهمة جداً في حياتهم، حيث يوجد تطبيقات تخصّهم تساعد على تهدئتهم وتعريفهم بما يريدون.

وعرّج داراني على موضوع الدمج، مشيراً إلى أن دول أوروبا عندما تقوم بدمج ذوي الإعاقة مع الأصحاء، تعمل على استجرار العاطفة أولاً، من خلال رواية قصص مؤثرة للأطفال أثناء دراستهم ليتم تقبّل الطرف الآخر بشكل عاطفي لأن العاطفة تمنع التنمّر، وعند رواية قصص لأشخاص استطاعوا أن ينجزوا عملاً فإنها تؤدّي لزيادة معدلاتهم دراسياً ويصبحون أكثر تقبّلاً لواقعهم.

ياسر وردة “مصور فوتوغراف من ذوي الإعاقة الجسدية”، بيّن أنه بالنسبة له كشخص فإن حالة الإعاقة لا تؤثر سلباً فيه، وهو على دراية كاملة بأن هذه الحالة ليست سبباً منه ولا تسبّب له أي مشكلة، بل المشكلة الأساسية في المجتمع الذي لا يعلم كيف يتم التعامل مع أي حالة تظهر أمامه من ذوي الإعاقة، مبيّناً أن حقوقهم غير مؤمّنة بشكل كامل وكافٍ على الرغم من أن القانون يؤمّن توظيف نسبة ٤% في مؤسسات الدولة، ولكن إذا تم الاكتفاء بالعدد لا يتم توظيف المتبقي، وهذا بحدّ ذاته مشكلة، بالإضافة إلى عدم الحصول على حقوقه كاملة، فالمؤسسات لا تسهّل الدخول إلى المرافق العامة.

وبالنسبة لموضوع التنمّر، ذكر وردة أنه كان يتعرّض له أثناء المرحلة الدراسية، وهذا بسبب عدم وجود ثقافة جيدة من المجتمع حول كيفية التعامل مع ذوي الإعاقة وعدم الوعي من الأهالي بتوجيه الأطفال أثناء مقابلة مثل هذه الحالات، بالإضافة إلى التعرض لبعض المضايقات وعدم قدرته على الوصول إلى الأماكن التي يريد الذهاب إليها، أما بالنسبة لكيفية التغلّب على الإعاقة فيكون من خلال التكيّف معها وفهمها لأنها ليست من اختياره، وقد استطاع تجاوز جميع التحدّيات بالعمل والمثابرة لتحقيق طموحاته وتأمين احتياجاته.