دراساتصحيفة البعث

معضلة الاتحاد الأوروبي

عائدة أسعد

بعد أن أطلقت الولايات المتحدة حملتها لقمع تطوير صناعة التكنولوجيا الفائقة في الصين عام 2018 مع إجراءاتها التي تستهدف “هواوي”، أجبرت حلفاءها الأوروبيين على الانضمام على الرغم من أن الكثيرين فعلوا ذلك دون حماس كبير.

والآن مع قيام واشنطن بتوسيع وتكثيف جهودها لعرقلة تنمية الصين، لم تعد شبكات 5G الأوروبية فقط هي التي تعتزم واشنطن اختطافها من أجل قضيتها، وإنما تريد أن تملي سياسات الاتحاد الأوروبي الاقتصادية والتجارية، وقد أدّى ذلك إلى جذب الاتحاد الأوروبي بشكل غير مريح إلى الأبواق التي يضرب بها المثل، حيث هناك وجهات نظر مختلفة لدى المفوضية والمجلس حول مزايا مزاعم الولايات المتحدة.

وحسب مقال نُشر على موقع “بوليتيكو” فإن الصفوف العليا في الاتحاد الأوروبي منقسمة بشأن الصين وتتمتع أورسولا فون دير لاين، رئيسة اللجنة التنفيذية للاتحاد الأوروبي بعلاقة حميمة مع إدارة جو بايدن، وتتحرك مع موقف واشنطن المتشدّد تجاه الصين، بينما يريد تشارلز ميشيل، رئيس مجلس الكتلة، الحفاظ على علاقات تعاون مع الصين.

ونتيجة لذلك هناك صدام محتمل يلوح في الأفق حول سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين، حيث يجادل المجلس بأن المفوضية يجب أن تستشير الحكومات الوطنية أكثر قبل التسرع في تنفيذ طلب واشنطن.

وقد وصلت التوترات بين المجلس والمفوضية بشأن سياسة الاتحاد الأوروبي تجاه الصين إلى ذروتها بشأن توقيت القمة الأوروبية الصينية المقبلة، حيث أصرّت المفوضية على أن القمة المقبلة مع الصين، والتي تمّ تحديد موعد انعقادها في حزيران لا يمكن أن تعقد قبل القمة القادمة مع الولايات المتحدة. ومع ذلك، أشارت واشنطن إلى أن بايدن لن يحضر قمة في أوروبا قبل حزيران، الأمر الذي سيدفع القمة بين الاتحاد الأوروبي والصين إلى النصف الثاني من العام.

وهناك الكثير على المحك بالنسبة للاتحاد الأوروبي، فالانقسام بين القوى المتناحرة في الاتحاد الأوروبي لا يتعلق فقط بالمصالح الاقتصادية المباشرة للكتلة، بل يتعلّق أيضاً باستقلاليته وستحدّد نتيجة الخلاف بين المجلس والمفوضية ما إذا كانت ستقرّر سياستها الاقتصادية والخارجية في بروكسل أو في واشنطن.

يوجد أمام الاتحاد الأوروبي خيار واضح إما أن يكون مؤيداً للولايات المتحدة، أو مؤيداً للصين، إلا أنه في الواقع خيار مرتبط بكونه أداة جيوسياسية للولايات المتحدة وعند اتخاذ هذا الخيار، يجب على الدول الأوروبية أن تضع في اعتبارها أن الولايات المتحدة هي التي تضرّ بالمصالح الأوروبية أكثر من أي طرف آخر، ويتجلّى تجاهل واشنطن التام للمصالح الأوروبية في قانون خفض التضخم.

كما يجب على الدول الأوربية التفكير في حقيقة أن مكائد واشنطن طويلة الأمد هي التي أدّت إلى أكبر صراع في أوروبا وأكثرها ضرراً منذ الحرب العالمية الثانية، ولا ينبغي أن تقلق من اعتمادها على الصين، بل من اعتمادها على الولايات المتحدة.