دراساتصحيفة البعث

نظام عالمي جديد

ريا خوري

تتسارع الأحداث والتطورات العالمية التي تنبئ ببزوغ نظام عالمي جديد تكون فيه روسيا والصين اللاعب الأكبر. تلك التغييرات القادمة من الشرق بدأت تفرض وجودها على إيقاع الحراك العالمي بصورته الجديدة، حيث أثار هذا الحراك حالة من الرعب والإرباك لدى الغرب كونه لا يزال يبحث عن هزيمة لروسيا في أوكرانيا.

لقد بدأ الغرب الأوروبي- الأمريكي يغرق أكثر فأكثر في المستنقع الأوكراني، فنراه يزيد من حشد كلّ ما لديه من أسلحة وذخائر وأموال وعمليات تدريب ومساعدات لوجستية متقدمة، وصولاً إلى استخدام اليورانيوم المنضب، وكل ذلك مع تواصل القوات الروسية تقدمها في شرق أوكرانيا، في حين يبدو التحالف الغربي الأوكراني عاجزاً عن شنّ أي هجوم مضاد، على الرغم من تعهد القيادة الأوكرانية باستعادة الأراضي التي خسرتها في العام الماضي والعام الحالي.

وسط هذا التخبط الغربي- الأوكراني، أثارت زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة الروسية موسكو الكثير من الارتباك في الغرب، ليس فقط بسبب التوقيع على عدد كبير من الاتفاقيات، بل ارتقاء العلاقة بين بكين وموسكو إلى مستوى التحالف الاستراتيجي.

لقد بادر الرئيس شي جين بينغ وهو يصافح مضيفه الرئيس فلاديمير بوتين بالقول: “الآن هناك تغييرات جوهرية في العالم لم تحدث منذ مائة عام. عندما نكون معاً، نقود هذه التغييرات كما نريد”، وقد ردّ عليه الرئيس بوتين بالقول “أوافق على ما تقول”. هذا يعني أن التغيير في بنية النظام العالمي قادم لا محالة، وأن مسألة الصراع في أوكرنيا لم تكن، منذ البداية، نزاعاً إقليمياً محصوراً بين روسيا من جهة وأوكرانيا من جهة ثانية، وإنما كان مخططاً لها من جانب الغرب الأمريكي- الأوروبي، مع  الكثير من الحسابات الخاطئة التي لم تأخذ في الاعتبار إمكانية قيام تحالف روسي- صيني، أو قيام ظاهرة صينية آخذة في التفوق السريع على العالم الغربي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، سياسياً واقتصادياً وعسكرياً، فكيف سيكون الحال إذا ما اتسع نطاق التحالف الروسي- الصيني إلى بعض دول جنوب شرق آسيا والشرق الأوسط وأمريكا اللاتينية وغيرها من مناطق العالم؟.

على الجانب الآخر، أصبح من الواضح تآكل النفوذ الغربي- الأمريكي وترهله في مختلف أنحاء العالم بدءاً من الشرق الأوسط مروراً بالقارة الإفريقية وأمريكا اللاتينية، وحتى داخل القارة الأوروبية نفسها، وهو ما يدفع التحالف الغربي للقتال بشراسة غير معهودة عن مواقع نفوذه المتهالكة والمتداعية، لكن بعد فوات الأوان، ومن دون أن يملك  القدرة الكافية على منع بزوغ نظام عالمي جديد تكون الصين وروسيا الفاعل الأكبر فيه، وهذا قادم لا محالة.