مجلة البعث الأسبوعية

عوامل الانقسام والتشظي حاضرة منذ النشأة

البعث الأسبوعية- علي اليوسف

الاحتجاجات في الكيان الإسرائيلي تكاد تكون ظاهرة، وبالتالي من الممكن جداً أن تكون حدثاً مستداماً يمكن الركون إليه، لأن أقصى ما يمكن أن تكون نتائجها المباشرة هو التأثير في الإجراءات القادمة لقيادة هذا الكيان. صحيح أنه في الأسابيع الماضية اشتدّ التوتر، وترافق مع أعمال تخريب، وربما اشتباكات موضعية مع الشرطة، لكن كان من الواضح أن الحكومة ستتراجع وسيتم إقرار الإصلاح بتسوية ما، بمعنى أن كل طرف يسعى لتحسين شروط التفاوض ما دام هناك معارضون للإصلاح القضائي يعبّرون عن آرائهم، مقابل جماهير كبيرة تؤيّد هذا الإصلاح، ومعظمهم من الإسرائيليين المتدينين الذين باتوا الأكثرية ويسيطرون على أركان الكيان. وما دام هذا هو الحال، فإن الأيام القادمة مليئة بالمفاجآت، وخاصةً مع التراجع عن الإصلاحات القضائية مقابل الاستمرار في التظاهر، ما يعني أن الاحتجاجات انتقلت من حالة المطالبة بتراجع عن قرار حكومي -الإصلاحات القضائية- إلى المطالبة باستقالة الحكومة، وهو مؤشر كافٍ على أن المتظاهرين سيتمادون في مطالبهم، ما سيدفع حكومة الكيان الى استخدام كل الوسائل لوقف هذا المسلسل، وبالتالي الاتجاه إلى دوامة العنف والعنف المضاد.

منذ البداية تحظى الاحتجاجات باهتمام كبير، وبالتالي من المؤكد أن يتمكّن هؤلاء المتظاهرون من تحقيق أهداف سياسية محدّدة، على سبيل المثال، عزل نتنياهو وإيصال آخر إلى السلطة، وهذا يدلّ على أن الخلاف وأسباب المظاهرات هو لتغيير نظام الحكم، لكن ليس على طريقة ما يسمّى “ثورات الربيع العربي” التي تم التدخل في تأجيجها وإذكائها خارجياً، وزجّ ارهابيين مدربين على القتل والسرقة للمساعدة، وتأمين التمويل اللازم لهم.

من هذا المنطلق، تقدّم رئيس الكيان الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ بتسوية أطلق عليها اسم “خطة الشعب” وضعها بنفسه من دون مشاورات مع الائتلاف الحاكم أو المعارضة لإيجاد حل وسط، معتمداً على كلمة “الكراهية”، وكأنه يغمز الى الخلاف داخل الأجنحة المتصارعة، أو ما يمكن وصفه بصراع التيارات الدينية، والتيارات اليسارية.

هذه التسوية رفضها نتنياهو، ورحّب بها رئيس المعارضة يائير لابيد، ما يشير إلى أن الانقسام السياسي هو المحرك الأساسي للمظاهرات، وليس تغيير الحكم، وما دام رئيس الكيان تقدم بخطة تسوية، فهذا يعني أنه من الممكن أن يتقدم نتنياهو بتسوية مقابلة لتلبية مطالب المتظاهرين، أي الدخول في مناقشات على التسويتين.

تأجيل الإصلاحات القضائية

بعد أن أعلن رئيس الوزراء، بنيامين نتنياهو، تأجيل جزء أساسي من خطة الإصلاحات القضائية لم يعد الهدوء إلى الشارع، والسبب أن قادة المظاهرات على قناعة كبيرة أن في الأمر رائحة خداع وكذب، وهما الخصلتان اللتان يمتاز بهما نتنياهو خلال تاريخه الحافل بالخداع والمراوغة، حيث يقضي الآن ولاية سادسة هي الأولى من نوعها في هذا المنصب، حيث أعيد انتخابه للمرة الخامسة في تشرين الثاني 2022، وقاد التحالف الأكثر يمينية وتطرّفاً في تاريخ هذا الكيان الإسرائيلي، ووعد بحكومة تمثل جميع الصهاينة، بغض النظر عن الخلافات السياسية.

جاءت عودة زعيم حزب الليكود إلى السلطة بعد فترة وجيزة نسبياً في المعارضة -قضى 12 عاماً متتالية رئيساً للوزراء- وقد عزّزت عودته الدراماتيكية الاعتقاد بين مؤيّديه بأن “الملك بيبي” لا يُقهر سياسياً، لكن المحاكمة المتعلقة بتهمة الرشوة والاحتيال وخيانة الأمانة، ما زالت تخيّم على حياته السياسية، وهو أصل الهدف من إصلاحاته القضائية التي أشعلت شرارة “الثورة” في الكيان الصهيوني، لأن سيطرة الحكومة الأكثر يمينية على اللجنة التي تعيّن القضاة بحجة الإصلاحات، وتمنح للبرلمان صلاحية إلغاء قرارات المحكمة العليا بأغلبية بسيطة، تجعل من الصعب إمكانية عزل رئيس الوزراء من منصبه، وهو الأمر الذي أكّده المخادع حين قال: “الإصلاحات ستمنع المحاكم من تجاوز صلاحياتها”، أي الهروب من المحاكمة بتهم الفساد وتلقي الرشوة والاحتيال، الأمر الذي أثار غضباً بين مختلف شرائح المجتمع وفئاته، بما في ذلك الجيش. أما الخدعة الثانية التي اتكأ عليها نتنياهو فهي اتهامه “أقلية متطرّفة” على اعتراض أفرادها مشروع القانون، وكأن حكومته ليست متطرّفة ومتشدّدة، وهو ما يدلّ على أن هناك نوعاً من الابتزاز السياسي بين الأجنحة المتطرّفة، الأقلية المتطرفة التي يتهمها نتنياهو، والأكثرية المتطرّفة التي تترأس الوزراء.

ولفهم طبيعة هذا الابتزاز، من الضروري التمعّن في السبب الذي أجّج الاحتجاجات والمظاهرات التي كان مرسوماً لها ألا تصل إلى أبعد من ذلك، بدليل التراجع، أو الإيقاف المؤقت لما يسمّى الإصلاحات.

منذ بداية العام الجاري، تخرج مظاهرات أسبوعية احتجاجاً على خطط إصلاحية وضعتها الحكومة، وبمرور الوقت اتسع نطاق المظاهرات كما زادت أعداد المشاركين فيها، وخرج مئات الآلاف من المتظاهرين، وانضمّ عدد متنامٍ من قوات الاحتياط -العمود الفقري للجيش الإسرائيلي- إلى المتظاهرين، وهي جميعها نوع من الاشعار أو الإعلام عن حجم التغييرات المراد اتباعها، بمعنى أن الاحتجاجات أرادها نتنياهو وحكومته المتطرّفة لتكون بمنزلة استفتاء على ما يسمّى الإصلاحات التي هي في الواقع تأسيس للدولة القومية الصهيونية المتطرفة، التي تم التصريح عنها من الحكومة الصهيونية الحالية بالقول: “إن الإصلاح تأخّر كثيراً”، لكن ما هو هذا الإصلاح الذي تأخر؟.

تتناول هذه الإصلاحات سلطة الحكومة في مقابل سلطة المحاكم الخاصة بمراجعة قرارات الحكومة، بل بإلغاء تلك القرارات. وفي ظل خطط الحكومة تتقلّص سلطة المحكمة العليا فيما يتعلق بمراجعة القوانين أو إلغائها، ويكون لأغلبية ضئيلة في الكنيست (بصوت واحد) الحق في إلغاء قرارات المحكمة العليا. تكون للحكومة الكلمة العليا في تقرير مَن يصبح قاضياً، بما في ذلك قضاة المحكمة العليا، وذلك عبر زيادة تمثيل الحكومة في لجنة اختيار القضاة. وهنا لن يتعيّن على الوزراء الامتثال لتوصيات مستشاريهم القانونيين -بقيادة المدعي العام- على نحو امتثالهم الآن بموجب القانون. وبالفعل تم تمرير أحد الإصلاحات ليصبح تشريعاً، ماحياً بذلك سلطة المدعي العام بخصوص إعلان عدم أهلية رئيس الوزراء الحالي لمباشرة مهام منصبه. وكانت هناك تكهّنات بأن المدعي العام الإسرائيلي يتأهّب لعمل ذلك مع نتنياهو استناداً إلى مبدأ تضارب المصالح بين الإصلاحات التي تقدّمها الحكومة والمحاكمة التي يخضع لها نتنياهو بالفعل.

الخلاف سيستمر

أمام هذه المعطيات، من المنطقي جداً أن الخلاف على تعديل قانون القضاء الذي فجّر الاحتجاجات سيستمر سنواتٍ مقبلة، فالمشروع الذي تريد حكومة نتنياهو اليمينية المتطرفة تمريره يضرب استقلالية القضاء، ويحجب الرقابة القانونية على الأفعال السياسية. والأخطر أنها تحمي نتنياهو شخصياً من محاكمته بتهم الفساد الموجهة له. صحيح أن المظاهرات عطلت جزءاً من الحياة العامة، ولكن التطور الأهم في كل هذا المشهد هو موقف الأجهزة الأمنية من الإصلاحات المقترحة. فقد أقال نتنياهو وزير دفاعه، يؤاف غالانت، لأنه دعا إلى وقف المشروع، محذراً من أنه لم يشاهد غضباً بهذه الحدة في صفوف الأجهزة الأمنية من قبل، ونبّه مسؤلون عسكريون أيضاً إلى رفض الاحتياطيين الالتحاق بمراكزهم، واتهم نتنياهو وإيتمار بن غفير وزير الأمن الوطني، مدير الشرطة، كوبي شابتاي، بالتساهل مع المحتجين.

 

بعد هذه الجزئية المتعلقة بالوضع الأمني، من الطبيعي أن يصبح الكيان الصهيوني على محك  التوترات الداخلية على النطاقين السياسي والاجتماعي، وعلى الرغم من متابعة العالم للتحوّلات السياسية دون اكتراث كانتصار آخر لليمين السياسي، يراقب الملايين من الإسرائيليين واليهود الأحداث الجارية بقلق بالغ على حياتهم، بل على مستقبلهم في الأرض المحتلة التي تم استجلابهم إليها تحت كذبة “أرض الميعاد”، فأحد السيناريوهات الباعثة للقلق، والجديرة بالاهتمام، هو ما إذا كان الكيان الإسرائيلي على طريق الاقتتال الداخلي، وخاصةً أن معظم المعطيات تؤكد أن المجتمع الصهيوني في الأرض المحتلة أصبح أكثر استقطاباً، وأصبح النقاش العام أكثر فظاظةً، والساسة أكثر فساداً من أي وقت مضى.

كذلك لا يستبعد تطوّرات أخرى، ومنها عودة ظهور القوى الدينية التي تسعى إلى تحويل “إسرائيل” إلى دولة تحكمها الشريعة اليهودية، حيث يتابع هذه الأجندة أقليتان مختلفتان، إحداهما اليهود الأرثوذكس المتعصّبون، الذين يشكّلون الآن 12 في المئة من سكان “إسرائيل”، ومن المتوقع أن يشكّلوا ثُلثهم على الأقل بحلول عام 2065. وثانيهما الجماعة الدينية الصهيونية، ويمثلهما معاً 32 عضواً في الكنيست (من أصل 120) بعد أن فازوا بربع الأصوات في الانتخابات البرلمانية في تشرين الثاني 2022، ما يعني أن دولة الكيان الصهيوني ستصبح دولة ضعيفة أو فاشلة أو دولة دينية، تتولّى فيها المحاكم التابعة للحاخامات مهامها.

وبمرور الوقت من الوارد أن تبدأ الهجرة العكسية للفئة العلمانية القوية اقتصادياً، وثمّة ردود فعل على ذلك تتمثل في خروج مظاهرات في الشوارع، فضلاً عن إضرابات رمزية في بعض شركات التكنولوجيا، ومثال ذلك أن رئيساً تنفيذياً بارزاً كتب إلى موظفيه يلمّح إلى سيناريو الهجرة، بعد أن بات نتنياهو وحكومته الدينية المتطرفة تهديداً وجودياً للكيان الإسرائيلي برمّته، وأثبت أن هذا الكيان “دولة زائفة”، منذ أن أصبحت المحتل العسكري للأراضي الفلسطينية التي تم احتلالها في حرب عام 1967.

مؤشرات الحرب الأهلية

هذه ليست المرّة الأولى التي يمرّ فيها الكيان الصهيوني بهذا النوع من الاحتجاجات، فقد واجهت من قبل أربع مناسبات كادت الأمور فيها تنجرّ نحو حرب أهلية، وهي حادثة ألتالينا عام 1948، وانقلاب 77 عام 1977، واغتيال إسحق رابين في عام 1995، وفي عام 2005 كانت المناسبة الرابعة وتمثلت فيما عرف حينها بفكّ الارتباط مع قطاع غزّة، وإخلاء مستوطنة “جوش قطيف” من ثمانية آلاف من المستوطنين باستخدام القوة، لكن مظاهرات اليوم تختلف في حيثياتها وأشخاصها.

ما يُلاحظ في المناسبات السابقة جميعها أن الثلاث الأولى منها كانت بين قوى اليمين واليسار، أو ممثلين عن الفريقين، وهو ما يتكرّر في الأحداث الحالية، وبشكل أكثر خطورة عن أي مرّة سابقة، حيث يلوح في الأفق شبح الحرب الأهلية بين قوى اليمين الحاكم وقوى الوسط واليسار،  والمعسكران منقسمان بين فريقين، أحدهما راغب في صنع ديكتاتورية، والآخر رافض أي حلول وسط، رغم علمه بعيوب النظام القضائي.

ما يزيد الأمر خطورة هو العنف الذي يواكب هذه الاحتجاجات، ويتزايد مع مرور الوقت، فاليمين الحاكم يرى أنّ قوى اليسار توظّف التظاهرات لإحداث حالة من الفوضى، وتستفزّ مؤيدي المعارضة وتعتدي على الوزراء، والمتديّنين والمعابد، وتحاول التحكّم في القرار السياسي، عبر تعطيل مؤسسات الدولة، وإغلاق الطرقات، وبالتالي، من حقّ أجهزة الشرطة أن تواجه مثل هذه الأعمال التخريبية من دون المسّ بالحق في التظاهر حسب زعمها.

أما قوى اليسار فإنها، على العكس من ذلك، ترى أنّ اليمين الحاكم يستخدم كلّ الوسائل الممكنة لتحويل التظاهرات إلى أحداث عنف بالادّعاءات الكاذبة، واستخدام العنف الشرطي ضد المتظاهرين، وصولاً إلى استخدام المجرمين للاحتكاك بالمتظاهرين.

يبدو المشهد الإسرائيلي وكأنه باتجاه العنف والعنف المضاد، حيث يزداد تمسّك كل فريق بموقفه المتعنت، وترتفع مطالبات المعارضة لإحداث تغيير كبير يمكّنها من تحقيق أهدافها المعلنة بإيقاف خطة التشريعات، أو أهدافها غير المعلنة بإحداث تفكّك في صفوف الائتلاف الحاكم وسقوط الحكومة. في مقابل هذه المظاهرات، هناك حملة قوية مؤيدة لها تتضمّن تعليق لافتات، وجمع توقيعات إلكترونية، ونشر آراء أساتذة في القانون، وقضاة، وحقوقيين، وسياسيين سابقين.

لذلك حالة التوتر الداخلي تنذر بوقوع الحرب الأهلية، إذ تطرّق عدد من المحللين إلى مصطلح “الحرب الأهلية” الذي أصبح أكثر انتشاراً في الحوارات الإسرائيلية، لكنه لا يُستخدم كمجرد صورة بلاغية، إذ أصبح المصطلح بمنزلة تعبير عن القلق الغامر وغير المسبوق الذي ينتاب الإسرائيليين، ويختلف عن أي شيء عايشوه من قبل، حسب تقرير لموقع “ميدل ايست أي” البريطاني.

ويعني مصطلح “الحرب الأهلية” في اللغة العبرية “حرب الإخوة”، ما أثار حالة كبيرة من الرعب والذعر بين الإسرائيليين بسبب انتشار مشاعر الكراهية والاحتقار والرعب الصريح علانية. صحيح أن الأمر بدأ كمعارضة لإصلاحات قضائية مثيرة للجدل في صورة “عصيان مدني”، لكنه يتضخم الآن ليتحول إلى شيء أكبر. وحسب الموقع البريطاني فإن المناخ السائد اليوم في “إسرائيل” موجود منذ فترة طويلة، وأطول مما يجرؤ أي شخصٍ على الاعتراف به.

بعد الجولة الرابعة غير الحاسمة من الانتخابات البرلمانية، في آذار عام 2021، عرض برنامج السخرية السياسية الشهير “إريتز نهيدريت” مشهداً دق ناقوس الخطر، واحتوى المشهد على إسرائيلي مُحنّك يُقدّم حَلَّه لأزمة الجمود السياسي التي تعاني منها البلاد، حيث قال: “يتمثل الحل الوحيد في الحرب الأهلية. يتقاتل اليهود السفارديون ضد الأشكناز، واليسار ضد اليمين، والأغنياء ضد الفقراء، والمتدينون ضد العلمانيين”. هذا المقطع حظي بشهرة آنذاك لأنه كان مضحكاً، لكن عند الاستماع إليه اليوم، يبدو المشهد أشبه بنبوءة مرعبة على وشك أن تتحقق الآن.

بالفعل، يبدو أن دولة الكيان الصهيوني تسلك ذلك الطريق الآن، فالفشل في التواصل بين نخب الدولة، أو انعدام الشخصيات والمؤسسات المركزية القادرة على التفاوض مع الأطراف المتنافسة، أو الخلافات الدستورية كما حدث في الحرب الأهلية الأمريكية مثلاً (1861-1865)، كلّها مؤشرات حقيقية على وقوع الحرب الأهلية. وتتأكد هذه الرؤية  بسبب “المؤشرات الاجتماعية” التي يرى أنها تسبق الحرب الأهلية عادة الموجودة في المجتمع الإسرائيلي اليوم. كذلك تعدّ المشكلات المالية من بين المؤشرات الرئيسية، وقد أصبحت ملموسة في الأشهر الأخيرة نتيجة استمرار الأزمة السياسية، حيث تتسع الفجوة بين الأغنياء والفقراء، ويمكن أن تؤدي الصعوبات الاقتصادية إلى تأجيج الاحتكاكات الاجتماعية-الاقتصادية أكثر، وخاصةً في مجتمع مليء بالتوترات العرقية بين اليهود المزراحيين (من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا) والأشكناز (من أصول أوروبية).

اللافت للنظر أن تحذير الرئيس الإسرائيلي يتسحاق هرتسوغ حكومة بنيامين نتنياهو من خطورة الإجراءات المزمع تقنينها تحت مسمّى الإصلاح القضائي، باعتبار أنها قد تدفع البلاد إلى حرب أهلية بين اليهود أنفسهم، يستند إلى حقائق وتطوّرات على الأرض يصعب إنكارها، وكلها مرتبطة بانحراف الشارع الإسرائيلي إلى أقصى درجات التطرّف السياسي، ما أنتج حكومة يمينية متطرّفة تستهدف تغيير بنية الدولة والتغلب على المهزومين العلمانيين، وتغيير أسس الحكم النظامية والعرفية السائدة منذ نشأة الكيان.

لقد باتت “إسرائيل” مؤهّلة للدخول في دورة صراع كبرى بين اليهود أنفسهم، فالصراع بين مكوّنات المجتمع اليهودي أصبحت معقدة تتشابك فيها أبعاد عرقية وطموحات التغلب والسيطرة، وخاصةً أن الكيانات التي تنشأ بفعل الإحتلال والاستيطان على حساب الشعب الأصلي، غالباً ما تفتقد هوية جامعة وغاية موحّدة، ما يعزّز هشاشة المجتمع فيها وضعف بنيانه. وما تشهده الساحة الصهيونية منذ عدة سنوات ليس غريباً، ولا يعكس حالة استثنائية من الزاوية الاجتماعية السياسية، فعوامل الانقسام والتشظي حاضرة منذ نشأة هذا الكيان الاحتلالي على أرض فلسطين.