أخبارصحيفة البعث

الناخب الأمريكي.. الغائب الحاضر في الانتخابات

تقرير إخباري

غير خافٍ على القاصي والداني ما تمرّ به إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن من حالةٍ عالية من الرعونة والهرطقة والتخبّط وتضارب الأهداف والاستراتيجيات، المترافقة مع القفز من قارة إلى أخرى ومن محيط إلى ثانٍ، مع غوصٍ في المشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية التي باتت تنعكس على الشعب الأمريكي وشعوب العالم قاطبةً، وتُهدّد بأزماتٍ خطيرة على رأسها دنوّ الحرب العالمية الثالثة، وتفاقم أزمات الأمن الغذائي، ونشوب أزمات الطاقة، واختلال جميع سلاسل التوريد، إضافة إلى تزايد سخونة معظم الجبهات ومناطق التوتر ودخول رقع أخرى إلى قائمتها.

إن إدارة بايدن أثبتت للعالم بوضوح أن أمريكا كيان طفيلي مفتقر للقيم المضافة، التي غالباً ما يجنيها من التربّح خلف بؤر التوتر والحروب والمستنقعات التي يصنعها حول العالم، حتى وإن كانت حبلاً يلتفّ على عنق أهم حدائقه الخلفية، وعلى الرغم من ذلك وبالتزامن مع الهبوط الحاد في شعبيته، والرفض المنقطع النظير لسياساته الفاشلة، سواء بين صفوف مريديه أم حتى في شوارع عواصم كبريات دول أوروبا التي كانت توصف بالحليف الأول لأمريكا، والتي هبّت اتحاداتها النقابية والعمالية والطلابية رافضة لنهجها ونهج من يتبعها من سياسيي أوروبا، فإننا نلحظ أن الناخب الأمريكي يُساق نحو هذا الخيار المرّ مجدّداً، فبايدن ورغم تظاهره بعدم الرغبة في الترشح مستغلاً انشغال الشارع الأمريكي بأخبار الحروب والأزمات ومحاكمات الرئيس السابق دونالد ترامب، يعلن ترشحه، بعد طول تأجيل، مجدّداً لولاية رئاسية ثانية.

وهذا الترشّح يعني أن الحزب الديمقراطي لا يهتم بتاتاً لرأي الناخب الأمريكي، ولا حتى لاستطلاعات الرأي التي أبرزت حقيقة كره هذا الشارع لترامب، وغصّته بالعديد من التساؤلات وإشارات الاستفهام المتعلقة بإهمال إرادته، رغم أن بايدن وحزبه يحملان شعار الديمقراطية و”التحذير من أنها في خطر”، والسؤال هنا هل حقاً من أهمل رأيهم، والذي هو “”فاقد الشيء”.. “سيعطيه”؟، وعلاوة على ذلك نجد أن بايدن اختار مع حزبه شعاراتٍ مغايرةً تماماً لما يعانيه دافع الضرائب الأمريكي من مشكلات، تتعلق بالتضخم وانهيار البنوك وزيادة الدين العام وغيرها من الملفات الاجتماعية والصحية والأمنية العالقة، التي يطول الحديث عنها، وكأنه يقول “حل تلك المشكلات صعب ولا يشكّل أولويةً، لكن شعارنا هو الأهم بالنسبة إليك أيها الناخب”، وتضاف إلى إشارات استفهام الناخب أيضاً مسألة العمر الزمني المبالغ به لعجوز هرم مشهور بكثرة الهفوات والأوضاع الصحية، وهي سوابق خطيرة حذت بالكثير من السياسيين إلى القول “أعطوه حقيبة ألعاب بدلاً من الحقيبة النووية”، وفعلاً فإن شخصاً مثل هذا ربما يقرّر أو ينطق بما لا تُحمد عقباه، وخاصةً أنه سبق أن جرّ العالم إلى حافة حرب نووية أو ربما عالمية ثالثة قد تنشب حتى لو بالخطأ في أي لحظة.

هذا المشهد اليوم يوضح حالة التناقض التي وضعت الولايات المتحدة نفسها أمامها، فطرح اسم بايدن للترشح حتى لو كان أمراً تقليدياً بالنسبة لحزبه، هو مؤشر خطير على فرض شخص فاقد للشعبية والتأييد بوسائل خبيثة تعلّمها بايدن من دخوله المعترك السياسي مذ كان بعمر التاسعة والعشرين، كما تعلّمها من خصمه اللدود ترامب، كالاعتماد على عدد من الأشخاص الأقوياء وزرعهم في مفاصل حزبه وإدارته لضمان بقائه في السلطة، ما يهدّد بنسف ما تبقى من الديمقراطية في البلد الذي يعدّ نفسه “الأول” بتطبيقها وتقييم الشعوب على أساسها، وما سيترتب على ذلك من تفاقم الصراعات في العالم الذي يرزح تحت أزمات تديرها أقليات خفيّة متحكّمة بمصائر الشعوب.

بشار محي الدين المحمد