“بريكس” في مواجهة هيمنة السبع الكبار
ريا خوري
شهد العالم أسرع حالات النمو الاقتصادي في العالم لدى ما بات يُعرَف بــ”البريكس”، وهي مجموعة دول تضمّ روسيا، والصين، والبرازيل، وجنوب إفريقيا، والهند. كما أبدت كلّ من الأرجنتين والجزائر وبيلاروسيا وإندونيسيا، والبحرين وباكستان وبنغلاديش، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة، وإيران وتركيا ومصر والمكسيك، وسورية ونيجيريا وزيمبابوي، والسودان وتونس وفنزويلا اهتماماً بعضوية “بريكس”.
في 16 آذار 2023، أعلنت روسيا أنها تدعم محاولة الجزائر للانضمام إلى “البريكس”، فيما تستعد جنوب إفريقيا لاستضافة قمة “البريكس” مطلع شهر آب القادم، وتقدّم دول عدّة طلبات للانضمام إلى هذه المجموعة.
لقد أصبح من الواضح، أن المواجهة بين دول “البريكس”، وبين الدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية، دخلت مرحلة جديدة، لتعطي أملاً وتفاؤلاً كبيراً لدول العالم أجمع في أن عالم القطب الواحد لن يستمر إلى الأبد، ولا بدَّ من نقلة نوعية وتغيير بنيوي دولي، وأن هناك من يسعى إلى تغيير كبير في العالم، اقتصادياً وسياسياً وإنسانياً، في موازين القوة الدولية.
الجدير بالذكر أنَّ أول قمة للبريكس كانت قد عُقدت بين أربعة رؤساء دول كبار هم المؤسّسون لهذا التجمّع في “بكاترينبوغ”، في روسيا، في حزيران 2009، حيث تضمّنت الإعلان عن تأسيس نظام عالمي جديد ثنائي القطبية، وكان على رأس المشاركين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وهو جين تاو رئيس الصين، ورئيس البرازيل لويس إيناسيو لولا دا سيلفا، ورئيس وزراء الهند مانموهان سينغ. واتفق رؤساء الدول المنضمّة تحت لواء تجمّع “البريكس” على مواصلة المتابعة والتنسيق في أكثر القضايا الاقتصادية العالمية الملحة، بما فيها التعاون الوثيق والقوي في المجال المالي، وحلّ المسائل والقضايا الغذائية.
بعد سنوات من العمل المشترك، وانضمام جنوب إفريقيا إلى المجموعة عام 2010، أبدت عدة دول الرغبة بالانضمام إلى مجموعة “البريكس”، وأكد سفير جنوب إفريقيا لدى مجموعة “البريكس” أنيل سوكلال، أن مجموعة “بريكس” تلقت طلبات انضمام رسمية من ثلاث عشرة دولة، وطلبات ست دول أخرى بشكل غير رسمي، وأنّ قمة “كيب تاون” القادمة ستبحث توسيع مجموعة “البريكس”، وهذا يدلّ دلالة واضحة على رغبة المزيد من دول العالم بالمشاركة في نظام اقتصادي ومالي وتجاري جديد خارج هيمنة الولايات المتحدة، وبمعزل عن سلطة الدولار الأمريكي الذي تحوّل إلى سيف مسلط على رقاب عشرات الدول التي تعارض النهج والسياسات الأمريكية التي تستخدم العصا والجزرة باستمرار.
تشير العديد من الدراسات المتخصّصة، وخاصة ما قدمته مجموعة “غولدمان ساكس” البنكية العالمية، إلى أنه من المتوقع بحلول عام 2050 أن تنافس اقتصادات هذه الدول، اقتصاد أقوى وأغنى الدول في العالم حالياً، والتي لها سطوة اقتصادية واضحة. كما أنه من المتوقع أن تشكل هذه الدول نادياً سياسياً، وحلفاً متيناً فيما بينها في المستقبل القريب.
وبهذا الشأن، صاغ الباحث جيم أونيل، كبير خبراء الاقتصاد لدى مؤسسة “غولدمان ساكس”، مصطلح “بريك” لوصف الأسواق الناشئة في روسيا والبرازيل والصين والهند عام 2001. ومنذ عام 2000 وحتى عام 2008 ارتفعت حصة تلك البلدان في الناتج العالمي بسرعة كبيرة، وقفزت من ستة عشر بالمائة إلى اثنين وعشرين بالمائة، وكان أداء اقتصادها أفضل من المتوسط بكثير في أثناء فترة الركود الاقتصادي العالمي اللاحقة.
من جهتها، ترى مجموعة “البريكس” أن التوسّع الذي يجري بها يساهم بقوة بالحدّ من هيمنة الدولار الأمريكي، وهذا من أهم المواضيع التي ستناقشها قمة “كيب تاون” للبريكس، خاصة وأن سكان مجموعة “البريكس” يشكلون أكثر من اثنين وأربعين بالمائة من سكان الكرة الأرضية، بينما مجموعة السبع التي تضمّ الولايات المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، واليابان، وإيطاليا، وكندا، تضمّ نحو ثمانمائة مليون شخص.
في الأيام الأخيرة تمّ الإعلان، ولأول مرة أن مجموعة “البريكس” قد تفوقت بشكل كبير على دول مجموعة الدول السبع الكبار، وتحديداً بعد أن وصل إنتاج مجموعة دول “البريكس” إلى واحد وثلاثين ونصف بالمائة، مقابل ثلاثين وسبعة بالعشرة في المائة للدول الصناعية السبع الكبرى. ووفق العديد من المؤسّسات البحثية، ومنها مراكز الأبحاث البريطانية، فقد تمّ الحديث عن أن مجموعة “البريكس” تعتبر أكثر تطوّراً في المجال الصناعي من مجموعة السبع الكبار، وهو ما يؤكد أن قوة أخرى غير الولايات المتحدة، والدول الأوروبية الغربية، بدأت تسيطر على كتلة اقتصادية مهمة جداً في العالم، وبالتالي على نفوذ عالمي جديد ومتغيِّر، خاصة وأنها تعمل على زيادة العلاقات الاقتصادية، والتجارية، والمالية في ما بينها بالعملات المحلية دون استخدام الدولار الأمريكي، وهذا ما يقلل الاعتماد على الدولار بشكلٍ كبير.
كما تقدّم مجموعة دول “البريكس” بديلاً للمؤسسات المالية والبنكية العالمية، مثل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، تلك المؤسّسات تعمل على إخضاع الدول النامية لشروط قاسية من أجل الحصول على قروض مالية لتحسين وضعها الاقتصادي التنموي، بعدما أنشأت ما بات يُعرف بــ”بنك التنمية الجديد”، عام 2014، الذي انطلق بقوّة برأسمال أولي قُدّر بنحو خمسين مليار دولار، وارتفع الآن ليصل إلى مائة مليار دولار، مع وضع احتياطات نقدية كبيرة طارئة، تدعم الدول التي تعمل على سداد ديونها، وتساعدها بالخروج من ظروفها القاسية.