البعث أونلاينسلايد الجريدةصحيفة البعثكلمة البعثمجلة البعث الأسبوعية

الأسد في القمة

(العناوين كثيرة لا تتسع

لها الكلمات، ولا تكفيها قمم)

د. عبد اللطيف عمران

 

أتت القمة العربية الثانية والثلاثون في جدة لتشكل منعطفاً – أو في سياق منعطف – في التاريخ العربي المعاصر على المستويات الوطنية والقومية، الإقليمية والدولية، تجاه عدد من القضايا من بينها الحرب على سورية: الدور والشعب والأرض.

وهو منعطف جاء خلاصة استيعاب مشترك لدروس “الجحيم العربي” الذي دفعت سورية ثمنه غالياً، بصمود شعبها وجيشها وقائدها، وجسّدت خلاله خط الدفاع الأخير الذي مكّن من الوصول بالأمة إلى المنعطف الراهن، حيث جاءت اليقظة وتمت استعادة الوعي وعادت الحقائق إلى الوجدان في لحظة التحولات القطبية العالمية، ليدرك العرب أن عليهم العودة إلى الحقيقة السورية الأصلية، والعودة إلى منبع العروبة وقلبها وضميرها الحي الذي يخفق بالأخوة الحقيقية والواعية والأصيلة. وهو ما يفسر تلك المشاعر التي لم يبخل القادة العرب بالتعبير عنها بأشكال مختلفة وفي ثقتهم بمستقبل أوطانهم وفي تلك الحماسة للعمل العربي المشترك انطلاقاً من إيمانهم بأن التاريخ يناديهم وبأن توحيد المواقف هو الرافعة التي ستمكن أمتهم من حجز مكان لها على خارطة العالم المعاصر.

في هذه القمة برز وعي عربي يكاد يكون مشتركاً بالتحديات، وبالمخاطر، بالمسؤوليات وبالحلول، كما برز في الوقت نفسه اعتراف جمعي عام: ضمني وظاهر بأن سورية كانت على حق، وأن حضور السيد الرئيس بشار الأسد هو بموضوعية وجدارة موضع تقدير وترحيب، وفي الوقت نفسه هو من الرهانات المهمة على تعزيز العمل العربي المشترك، وعلى تحقيق الأمن القومي، وترسيخ الأبعاد التاريخية والمعاصرة للهوية العربية.

بعيداً عن الاسترسال في السرديات، وعن الآراء التي لا تستند إلى وقائع وحقائق، وعن الحاجة للمضي في التقريظ والتجميل والمديح، فإن الأدلة النقلية والواقعية ووفق رؤية نصيّة مقارنةً تؤكد بما لا لبس فيه أن هذا المنعطف الإيجابي، وهذا الاعتراف الضمني والظاهر، كانا حقيقة واقعة بالنص، وبالمنطوق، وبالمنطق أيضاً، ذلك من خلال مقاربة على ثلاثة مستويات هي التالي:

1- المستوى الأول: كلمات القادة العرب التي عبّرت على الملأ وبوضوح، وبوقت مختصر كان هو الناظم والمحدد لزمن الكلمات جميعها، عن الترحيب بعودة سورية إلى الجامعة العربية وبأداء دورها التاريخي وبما تضفيه هذه العودة من قيم على الوضع العربي، وعن أهمية الحضور الشخصي للسيد الرئيس بشار الأسد، وقد بدا هذا بعد أن بدأ سمو الأمير محمد بن سلمان رئيس القمة كلمته التي أشار فيها في معرض ترحيبه بعودة سورية إلى أن هذا (يُسهم في استئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.. ويدعم تطلعنا جميعاً نحو مستقبل أفضل لمنطقتنا). وتابع من بعده القادة العرب تأكيد مضامين الترحيب والاهتمام في السياق نفسه مع بعض الإضافات، وكما أسلفنا: بعيداً عن الاسترسال في السرد، فإنه من المهم ولأسباب عديدة الاقتباس الحرفي لتلك الكلمات التزاماً بالحقيقة، وللتاريخ، دون تحديد أسماء السادة الكرام أصحابها، فهي تظهر على محركات البحث بوضوح ومصداقية، وفي التالي بعض من النصوص:- … أعرِبُ عن الارتياح لحضور ومشاركة الرئيس بشار الأسد في القمة مع اليقين التام بأن سورية ستستعيد بعون الله مكانتها كحاضنة تاريخية، ومنارة عربية مشهود لها بذلك.- … عودة سورية إلى الجامعة العربية بمثابة التفعيل العربي للدور العربي.- … أرحّب بالعود الحميد للشقيقة سورية إلى بيت العرب الكبير.- … أرحّب بأخي صاحب الفخامة الرئيس بشار الأسد، وباستعادة سورية دورها المحوري والتاريخي في التفعيل العملي للعمل العربي المشترك.- … الترحيب بعودة سورية والتأكيد على أهميتها في إعادة الاستقرار للمنطقة.- … عودة هذا البلد العزيز إلى الحضن العربي خطوة مهمة نحو تعزيز العمل المشترك….إلخ من هذا القبيل الذي يدل على قيمة هذا المنعطف كتصحيح لمسارات مضت، ووعي لضرورات حاضر ومستقبل أفضل.2- والمستوى الثاني يعرض أهم ما جاء في البيان الختامي للقمة، أو ما أطلق عليه (بيان جدة)، الذي أكد كثيراً من الثوابت والمبادئ  وخطط العمل التي غالباً ما كانت تتضمنها منذ عقود الأدبيات الثقافية والسياسية والإعلامية لخطابنا المؤسساتي في سورية، وتحديداً كلمات السيد الرئيس بشار الأسد وتوجهات وتوجيهات سيادته، وفي ما يلي بعض من مقبوسات البيان الحرفية:- التركيز على مركزية القضية الفلسطينية.- تأكيد أهمية تعزيز العمل العربي المشترك المبني على الأسس والقيم والمصالح المشتركة والمصير الواحد.- تهيئة الظروف لاستثمار الفرص وتعزيز الشراكات والتعاون لتحقيق التنمية المستدامة بما يلبي آمال وتطلعات شعوبنا.- التشديد على وقف التدخلات الخارجية في الشؤون الداخلية للدول العربية، والمحافظة على مؤسسات الدولة الوطنية والحيلولة دون أي تدخل خارجي في الشؤون الداخلية.- الترحيب باستئناف مشاركة وفود الحكومة السورية في اجتماعات مجلس الجامعة ومنظماتها لدعم استقرار سورية والحفاظ على وحدة أراضيها واستئناف دورها الطبيعي في الوطن العربي.

– الالتزام والاعتزاز بقيمنا وثقافتنا القائمة على الحوار والتسامح والانفتاح، واحترام سيادة واستقلال الدول وسلامة أراضيها واعتبار التنوع الثقافي إثراء لقيم التفاهم والعيش المشترك، والمحافظة على ثقافتنا وهويتنا العربية الأصيلة لدى أبنائنا وبناتنا وتكريس اعتزازهم بقيمنا وعاداتنا وتقاليدنا الراسخة (هذا يأتي من سياق تحذير الرئيس الأسد من مرامي الليبرالية الحديثة).

– مبادرة تعليم اللغة العربية.. والعمل على تحقيق الأمن الثقافي، والغذائي والمائي، والتنمية المستدامة…إلخ.3- المستوى الثالث وهو ما بيّن أهمية (المشترك) مع المستويين الأول والثاني، وينبع من كلمة السيد الرئيس بشار الأسد في القمة، والتي سبقت كلمات عدد من القادة ، وكذلك البيان الختامي، وكانت – على إيجازها – أسطراً، بل عناوين وكلمات مفتاحية ذات حقول دلالية واسعة وغنيّة منتقاة بدقة وإيجاز ومعيارية تؤكد مصداقية ما قاله القادة العرب في أهمية حضور سورية ودورها في الواقع العربي، وبالأحرى خطأ تجاوز هذا الحضور وهذا الدور، هذا الخطأ الذي تورطت فيه الجامعة، فبادر السيد الرئيس بوصف دقيق وواضح لمعالجة هذا الخطأ تداركاً لمخاطر تكراره (لتكون الجامعة متنفساً في حالة الحصار لا شريكاً فيه، ملجأ من العدوان لا منصة له). بعد أن كان سيادته تطرق الى موضوع (تحدي التنمية كأولوية قصوى لمجتمعاتنا).

أضاف سيادته مبيناً قيمة ما تحدث به القادة الأشقاء من قبل وبعد (أما سورية فماضيها وحاضرها ومستقبلها هو العروبة، لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، سورية قلب العروبة، وفي قلبها، ومن يقع في القلب لا يقبع في الحضن)، وبما أن (العناوين كثيرة لا تتسع لها كلمات، ولا تكفيها قمم) فـ(نحن أمام فرصة تبدل الوضع الدولي، وهي فرصة تاريخية لإعادة ترتيب شؤوننا بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وهي فرصة لترسيخ ثقافتنا، ولتعريف هويتنا ببعدها الحضاري لتشكل القمة بداية مرحلة جديدة للعمل العربي المشترك، للتضامن، للسلام، للتنمية والازدهار بدلاً من الحرب والدمار).

وفي الحقيقة يبيّن الإمعان في نص /خطاب كلمة السيد الرئيس بشار الأسد  أنها كانت القاسم المشترك على جميع المستويات خاصة لأنها تأتي في سياق مبادئ وثوابت طالما أكدت عليها والتزمت به سورية شعباً وقيادة ما جعل )اللقاءات في جدة على مستوى المسؤولية والطموحات) على حد تعبير وزير الخارجية والمغتربين د. فيصل المقداد. وهذا جميعه مما يفرض تبعات كبرى على المؤسسات المعنية في الدولة يتطلع الشارع إلى النهوض بها…

لذلك نحن متفائلون في هذه القمة، ومثلنا مثل كثيرين من الشارع العربي والنظام الرسمي العربي في النظر إلى القمة وإلى دور سورية، وإلى حضور السيد الرئيس.