وداعاً للدولار
هيفاء علي
بعد تراكم العجز الأمريكي، وبروز التغييرات الجيوستراتيجية التي تسارعت بسبب الحرب الاوكرانية، منذ شباط 2022، بدأ توجه جديد نحو العملة الاحتياطية. وبحسب الدكتورة راديكا ديساي، الأستاذة في قسم الدراسات السياسية بجامعة مانيتوبا في وينيبيغ في كندا، ومديرة مجموعة أبحاث الاقتصاد الجيوسياسي، فإن الاقتصاد العالمي الرئيسي يتجه نحو نزع الدولار لعدة أسباب، على رأسها السبب الجوهري في النظام نفسه، والذي لم يعد يقدم التأكيد على أنه مصدر الإلهام كما كان قبل بضع سنوات.
ليس من قبيل المصادفة اليوم رؤية المزيد من المحللين يشجعون المستثمرين على تنويع عملاتهم، لأن التناقضات الداخلية للنظام المقوم بالدولار الأمريكي تزداد سوءاً، ولأن هذا النظام توقف عن تقديم فرص قصيرة الأجل للمستثمرين الأمريكيين والغربيين لتحقيق أرباح مضاربة وتوفير استثمار متواضع. لذلك، تسارع ظهور مصادر جديدة للتمويل بخلاف الدولار، بسبب فرض العقوبات الغربية على روسيا في أعقاب الحرب في أوكرانيا، كنتيجة مباشرة لمؤشر أسعار الغاز بعملات أخرى، وعلى رأسها الروبل أو اليوان، التي اعتمدتها الآن عدة دول، وتوقيع شراكات تجارة ضخمة بين روسيا والصين والهند والمملكة العربية السعودية. زيادة على ذلك، هناك اتفاقيات ثنائية جديدة لتبادل وإقراض عملات غير الدولار الأمريكي، والأهم من ذلك أن المشترين والبائعين الرئيسيين للنفط، وهم موسكو والرياض وبكين ونيودلهي، يوافقون على المتاجرة بعملات غير الدولار. وبالتالي تعتقد الدكتورة راديكا ديساي أن هذه الصفقات تدمر أحد الركائز الأساسية لهيمنة الدولار منذ أن ضاعفت أوبك الأسعار أربع مرات.
والأسوأ من ذلك -تضيف ديساي- تختار المزيد من البنوك المركزية تنويع احتياطاتها من العملات الأجنبية، مما يفتح آفاقاً كبيرة لاستبدال العملات الناشئة مثل اليوان الصيني، والذي استمر لعدة سنوات حتى الآن في وضع نفسه كمنافس حقيقي، حتى لو ظل وزنه محدوداً حتى الآن لأسباب هيكلية خاصة بالنظام المالي والنقدي لجمهورية الصين الشعبية.
في الوقائع، تظلّ الحقيقة أن التحولات الجارية تهيئ العالم للسير في طريق الابتعاد تدريجياً عن التأثير النقدي الأمريكي في انتظار عملة “البريكس”. وبهذا المعنى، يمكن لسوق الأسهم أن يقدم لمحة عما ستكون عليه الأشهر أو السنوات القليلة القادمة، ولاسيما أنه في الوقت الذي تسجل فيه البورصات الأمريكية والبريطانية انخفاضاً من حيث الاكتتابات الأولية، تشهد سوق الأوراق المالية الصينية تأثيراً معاكساً تماماً، نظراً لحقيقة أن لديها اقتصاداً منتجاً وقادراً على الدفع.
توضح الدكتورة ديساي أن التغيير في النهاية يرجع فقط إلى قرار الرئيس الصيني، الذي يبدو أنه غير مغرم بـ”حرب العملات”، بل يفضل “تسوية تجارية” مع الولايات المتحدة. إذ تفضل الصين التركيز على استقرار اليوان الذي سيكون لديه فرصة جيدة ليصبح عملة بديلة للدولار، في نفس سياق التغييرات في النظام العالمي ككل، الذي ترغب فيه بكين وموسكو اللتان تشجعان على ظهور عملة جديدة لدول البريكس المرشحة للتوسع أكثر مع انضمام دول ناشئة أخرى، بما في ذلك الجزائر والسعودية ودول آسيوية أخرى.
وعليه، من المتوقع أن تعلن قمة قادة “البريكس” في آب المقبل دق ناقوس الموت للعملة الأمريكية، خاصةً وأنه بدأت الميزانية العمومية الحيوية لـ”الدولار الإلهي” بالتراجع مع بدء التسويات بالعملات الوطنية بين دول البريكس، ثم هناك قرار روسيا والصين باعتماد اليوان كعملة تسوية مع الاقتصادات الناشئة. بالإضافة إلى ذلك، أعلنت الهند وروسيا عن نيتهما في إنشاء رابطة اقتصادية جديدة بعملة مشتركة جديدة، بحيث سيؤدي كل شيء إلى تصديق اقتراب نهاية الدولار، مقابل تعزيز دول البريكس التي يزيد وزنها الاقتصادي الحالي عن مجموعة السبع، بمساهمة قدرها 31.5٪ من الناتج المحلي الإجمالي العالمي، مقابل 30.7٪ لمجموعة السبع، في السنوات القادمة، بحسب الدكتورة ديساي.