دراساتصحيفة البعث

مجرد مقارنة بين منظمات الشرق والغرب

عناية ناصر

بدأت المنظمات متعددة الأقطاب كـ “البريكس”، و”منظمة شنغهاي” للتعاون في لعب دور أكبر في تحول النظامي العالمي على مدار العقد الماضي، مما أدى إلى تحدي هيمنة المنظمات التي تتمحور حول الغرب مثل مجموعة السبع وحلف الناتو على العلاقات الدولية.

لقد اعتاد بعض المراقبين على مقارنة كل زوج اقتصادي وأمني (على سبيل المثال “البريكس” مقابل “مجموعة السبع”، ومنظمة “شنغهاي” للتعاون مقابل “الناتو”)، لكن مثل هذه الاستنتاجات غالباً ما تكون مضللة لأن هذه المجموعات في الواقع مختلفة تماماً عن بعضها البعض، فمجموعة “البريكس” تضم اقتصادات ناشئة، في حين أن “مجموعة السبع” تتعلق بالاقتصادات المتطورة، وقد بدا التمييز أكثر وضوحاً في الوقت الحاضر بعد أن تم تعليق عضوية روسيا، وفرض عقوبات ضدها بسبب الحرب الأوكرانية.

من ناحية أخرى، فإن “البريكس” متنوعة جغرافياً، بينما تتركز مجموعة دول السبع جغرافياً في المحيط الأطلسي، باستثناء اليابان. بالإضافة إلى ذلك، تحاول دول “البريكس” تحسين التجارة والاستثمار داخل المنظمة، في حين أن ما يهم مجموعة الدول السبع هو تطوير وتحسين التجارة والاستثمار بين أعضائها.

أما بالنسبة لمنظمة “شنغهاي” للتعاون وحلف الناتو، فإن الأولى لا تتضمن التزامات دفاعية متبادلة، بينما تأسس حلف الناتو حول هذا المفهوم. ومن جهة أخرى لا يوجد بلد يقود منظمة “شنغهاي” للتعاون، في حين أن الولايات المتحدة هي الزعيمة غير الرسمية لحلف الناتو، كما تعزز الملاحظة السابقة احترام منظمة “شنغهاي” الصادق للوضع القانوني الدولي لأعضائها على قدم المساواة، في حين أن التسلسل الهرمي غير الرسمي للناتو يخون هذا المبدأ. يميل بعض المحللين إلى إظهار أن بعض دول منظمة “شنغهاي” للتعاون متورطة في نزاعات خطيرة على عكس معظم دول الناتو.

إذا نظرنا في المقارنات المذكورة أعلاه في ظاهرها، فقد يميل المرء إلى الاعتقاد بأن المنظمات التي تتمحور حول الغرب هي أكثر اتحاداً، وبالتالي فهي أكثر فعالية من المنظمات متعددة الأقطاب، الأمر الذي يؤدي إلى التشاؤم بشأن الآفاق المستقبلية المذكورة سابقاً. من هنا يمكن القول أن هذا الاستنتاج غير دقيق، لأنه يتجاهل حقيقة أن هذه الاختلافات المتشابهة فيما بينهما تصب في الواقع في مصلحة ومنفعة المنظمات متعددة الأقطاب على عكس ما يروج له البعض، وذلك من أجل الإضرار بها ومحاولة تشويه أهدافها.

تميل المقارنات غير الرسمية إلى التغاضي عن الهدف المشترك لدول “البريكس” والمتمثل في تسريع تعدد الأقطاب المالية، والذي يراعي تنوعها الجغرافي فضلاً عن نيتها تحسين التجارة والاستثمار داخل المنظمة، فلم يكن لهذه المجموعة أبداً أي تطلعات جيوسياسية، لكنها كانت دائماً مدفوعة بأهداف جيو-اقتصادية. وفي سعيهم لتحقيق هدفهم، يعملون على استخدام العملات الوطنية في المزيد من معاملاتهم، بينما يستكشفون في الوقت نفسه إمكانية وجود عملة احتياطية جديدة.

وفيما ما يتعلق بمنظمة شنغهاي للتعاون، فإن افتقارها للالتزامات الدفاعية المتبادلة يحافظ على الاستقلالية الاستراتيجية لكل عضو بدلاً من إخضاعها لنظام مهيمن، كما هو الحال عندما يتعلق الأمر بعلاقات دول الناتو مع الولايات المتحدة. بعيداً عن سعيها إلى موازنة الناتو، الذي لم يكن أبداً دافع المجموعة، تهدف آليات التنسيق في منظمة “شنغهاي” للتعاون إلى تعزيز قدرات أعضائها لمواجهة التهديدات غير التقليدية التي يشكلها الإرهاب والانفصالية والتطرف، حيث تشكل هذه الآفات الثلاثة مجتمعة تحدياً لأمن كل دولة منهم، ومن هنا تأتي أهمية العمل معاً بشكل وثيق من خلال تبادل المعلومات الاستخباراتية، والوسائل الأخرى لضمان الاستقرار في أوراسيا. يفسر هذا الهدف النبيل سبب رغبة المزيد من الدول في أن تصبح أعضاءً ومراقبين وشركاء في الحوار.

عند إجراء تحليل أعمق للاختلافات بين المنظمات متعددة الأقطاب، والمنظمات التي تتمحور حول الغرب، يصبح من الواضح أن وجهات نظرهم المتعارضة تماماً للعالم هي المسؤولة عن السمات المميزة لها، فالمنظمات متعددة الأقطاب تحترم المبادئ المنصوص عليها في ميثاق الأمم المتحدة فيما يتعلق بالمساواة الحقيقية بين البلدان، بينما تسعى المنظمات التي تتمحور حول الغرب إلى بناء ما يسمى “النظام القائم على القواعد” والذي يتميز بموقف الولايات المتحدة المهيمن على قمة التسلسل الهرمي الدولي الذي تتصوره. ومع أخذ ذلك في الاعتبار، يبدو من المنطقي سبب تركيز “البريكس” على تسريع تعددية الأقطاب المالية، بينما تركز منظمة “شنغهاي” للتعاون على إحباط التهديدات الأمنية غير التقليدية. وعلى النقيض من ذلك، فإن مجموعة الدول السبع مدفوعة بالرغبة في الاحتفاظ بالهيمنة المالية للغرب، بينما يواصل الناتو خلق تهديدات على مستوى الدولة للآخرين.

وفي هذا الخصوص  يمكن القول إن المنظمات متعددة الأقطاب مدفوعة بنتائج مفيدة للطرفين لا تشكل أي تهديد للمصالح المشروعة للأطراف، في حين أن المنظمات التي تتمحور حول الغرب تحفزها نتائج محصلتها صفر والتي تهدد المصالح المشروعة للآخرين بطبيعتها. يفسر هذا الاختلاف الفلسفي كل شيء آخر يميزهم عن بعضهم البعض، والذي غالباً ما تغفله المقارنات غير الرسمية، ومن هنا تأتي الحاجة إلى تحليلات أعمق من أجل تقدير الميزة التنافسية للمنظمات متعددة الأقطاب.