أخبارصحيفة البعث

الاتحاد الإفريقي والتوجّه شرقاً

تقرير إخباري   

يزداد التنافس الجيوسياسي على الدول الإفريقية بشكل كبير في الآونة الأخيرة، وخاصةً بعد الحرب في أوكرانيا، فيما يذكّرنا بأجواء الحرب الباردة والرغبة الغربية الجامحة في استغلال هذه الدول كقوة تصويتية مرجّحة في المحافل الدولية والحصول على الدعم والتأييد في مشاريعها الاستعمارية.

أما اليوم فإن هذه الدول الـ54 تميل نحو مزاج سياسي موحّد إلى حدٍ كبير، ورؤية سياسية موحّدة أيضاً، فبعد أن كان الاتحاد الإفريقي الذي يستمدّ ثلثا تمويله من الغرب مسيطراً عليه وعلى قراراته لمصلحة الغرب، الذي كان يفرض على الاتحاد تبادل المعلومات ويتدخّل في شؤون أعضائه الداخلية ويقيّده بمعاهدات حفظ سلام تصبّ في مصالحه، أصبح الاتحاد الإفريقي الآن يعي تماماً أن تلك التبعية لم ولن تنفعه؛ سواء على صعيد تحقيق التنمية، أم حل المشكلات الأمنية وضعف الاستقرار السياسي، ناهيك عن تعاظم خطر الإرهاب ضمن معظم دول القارة، وخاصة بعد حرب الناتو على ليبيا.

لقد أصبح تاريخ بداية الحرب الأوكرانية في أواخر شباط من العام الماضي، مفصلاً تاريخياً لا يشبه ما قبله، فقد بات الكثير من الدول الإفريقية وغيرها يتجرّأ على قول”لا” لأمريكا والغرب، بل تُطرد القوات الفرنسية من أراضيها، وانتقلت العدوى من دولة إلى أخرى، وخاصةً التي عانت وتعاني الفقر نتيجة نهب ثرواتها من الغرب، ومهما وقفت بعض الدول على الحياد أو سادت بعض المشكلات والاختلافات ضمن الاتحاد الإفريقي فإن واقع الحال والمؤشرات يؤكدان أن هذه الدول باتت تشكّل حجر الثقل والزاوية في كسر حالة القطبية، كما باتت تطالب بمقعدين دائمين في مجلس الأمن للتعبير عن قرارها المستقل الذي يصبّ في مصالح شعوبها لا في مصالح الغرب.

من جهةٍ أخرى، فإن الحرب في أوكرانيا وتبعاتها زادت شراهة الدول الأوروبية المحرومة بفعل عقوباتها الأحادية من الغاز الروسي، حيث تراكضت نحو الجزائر لاستجرار الغاز منها، ونحو النيجر لاستجرار الغاز عبر أنبوب يمرّ أيضاً من الجزائر، ناهيك عن امتلاكها أكثر من ثلث احتياط المعادن العالمي، وأكثر من 40% من المواد اللازمة لصناعة الليثيوم والطاقات المتجدّدة.

لقد وصفت روسيا القارة السمراء بأنها أحد قادة العالم الصاعد، وهذا حقيقة لأن تلك الدول تشكّل محوراً أساسياً للتنافس الغربي الشرقي، بكل مقوّماتها الجيوسياسية وثرواتها، لكن واقع الحال يقول: إن الأوان قد فات بالنسبة للغرب، فمهما حاولت الولايات المتحدة وأتباعها بث الوعود بالقروض والربط بالمعاهدات فلن تتمكّن من مواجهة النجاح الصيني الروسي الكاسح في استثمار ثروات القارة وتحقيق المشاريع التنموية فيها، المترافقة أيضاً مع نجاح روسي على صعيد بسط الاستتباب الأمني ومساعدة الجيوش الوطنية في فرض الاستقرار، حتى وإن تعامت بعض الدول القليلة في القارة التي استفادت بنسبة قليلة من توجّهها الغربي، فإن الشمس لا يمكن حجبها بالغربال.

بشار محي الدين المحمد