ثقافةصحيفة البعث

طلال الغوار: أردتُ البحث عن زمن يليق بالقصيدة

ملده شويكاني

أفتح نافذتي على الصباح

لم أرَ ثمة شيء

يصلح لكتابة قصيدة..

مقدمة “ما يصلح لكتابة قصيدة”، وردت ضمن المجموعة الشعرية الجديدة للشاعر العراقي طلال الغوار الصادرة عن دار أمل الجديدة في دمشق، والتي تمّ توقيعها في المنتدى الثقافي العراقي بإشراف د. منى هيلانة أمين سر مكتب قيادة العراق لحزب البعث العربي الاشتراكي.

وقد قدّم الحفل الشاعر والإعلامي علي الدندح مستهلاً كلمته بالعلاقة الحميمة بين الشعراء العراقيين وسورية التي احتضنت إبداعهم، ومرّ سريعاً على إصدارات الغوار التي طُبعت في سورية مروراً باحتفاء بـ”صباحات شاغرة” إلى “أوّل الحب أوّل المعنى” إلى “انثيالات” إلى “أسمّي جرحي شجرة” وغيرها، ثم قدم لمحة عن خصوصية تجربة الغوار التي تجاوزت حيّز الزمان والمكان.

نصوص تشبه مبدعها

وخلال حفل التوقيع قدّم الفنان التشكيلي والقاص والناقد أحمد عساف إضاءة على تجربة الشاعر طلال الغوار التي تحفل بكل ما هو جديد ومتمرد ومتفرد، وتنتمي لتيار الحداثة ببصمته، فنصوصه لا تشبه أحداً، تشبه مبدعها فقط مثل لوحات فاتح المدرس، وتجربته تتصف بالسلاسة وبالسهل الممتنع.

وتوقف عند عناوين القصائد التي كانت مفاتيح لأبواب موصدة في وجه الريح والبوح، تتحوّل إلى ستائر شفيفة يستشفّ منها القارئ صدى البوح، إذ يستخدم مفردات إيحائية رمزية معبأة بطاقات شعورية، كما يوظّف رموزه بوعي ودراية مبتعداً عن الغموض الذي يلجأ إليه كثير من الشعراء الذين جعلوا الشعر بضاعة فاسدة لاقيمة لها. كما ينحو نحو انزياحات لغوية تخلق صوراً شعرية تربط الحواس مع الواقع بشكل أخاذ، وتابع عن حضور المرأة، إذ احتفى بها الغوار ببعده عن الخصوبة بمباشرة فغازلها بصور جميلة، ليخلص إلى أن شعره يفتح للقارئ مساحات واسعة للتخيّل والشغف والدهشة.

القصيدة والأشجار

أما د. نزار بني المرجة فبدأ من العناصر الأساسية التي اتكأ عليها طلال الغوار، فالأشجار شرط لازم لاكتمال أو كتابة القصيدة، وكذلك النهر والنافذة، مشيراً إلى أن منجزه الشعري ارتبط بهذه المنطقة المخضّبة بالعروبة والدماء، ففرض حالة من الحب والانتماء تأخذ القارئ إلى روح ملحمة واحدة تنمّ عن رسالته الإنسانية.

وقدّم دراسة عميقة عن القصائد وكيفية توظيف الغوار الشجرة لتكون رمزاً للوطن والحب، فاستحضر قصائد عدة من المجموعة شارحاً العلاقة بين الشجرة والكلمات، ففي قصيدة رؤى كثيرة، يؤنسن الشجرة ويجعل أغصانها كالأيدي تتوق للعناق، كما تطرق إلى ما تمتاز به المجموعة من موسيقا عذبة وسلاسة تحمل الكثير من الدلالات التي تشدّ القارئ.

الصور المفكرة

الناقد أحمد علي هلال قدّم شهادة حول تجربة الغوار بقصيدة النثر في هذه المجموعة التي امتازت بدرجة من التجريب والحساسية، وخلقت إيقاعاً بمستويات عدة على صعيد إيقاع الصورة والدلالة واللغة والسياق والمعنى، كما خلق صوراً مُفكرة لأن الشاعر يقود تجريبه بوعي عالٍ.

قراءة وموسيقا

كما شاركت الإعلامية هدباء العلي بقراءة قصيدة “فكرة ملساء” من المجموعة:

دائماً

أسند رأسي

على فكرة ملساء

فأنزلق عليها

وتأخذني بعيداً

في طريق لا ينتهي

وزادت الموسيقا من جمالية وقع المفردة الشعرية بعزف الموسيقي عازف الكمان عدنان الحايك مقطوعات عدة، منها موطني.

توقيع وإضاءة

وأشارت الرفيقة د. منى هيلانة إلى اهتمام المنتدى الثقافي العراقي باستضافة القامات الأدبية العراقية والسورية وإغناء المشهد الثقافي بتواقيع الكتب والإضاءة عليها.

زمن آخر

وعلى هامش حفل التوقيع تحدثت “البعث” مع الشاعر طلال الغوار ابتداء من عنوان المجموعة: “ما المقصود بزمن آخر”؟.

فعقّب بأن القصيدة في هذه المرحلة لم تكن فاعلة، ليس لأنه لم يعد لها دور، وإنما لوجود الدخلاء على الشعر بسبب فوضى النشر والمنابر المفتوحة، لذلك لم يستسغ المتلقي هذا النوع من الكتابات الهزيلة، فأردتُ البحث عن زمن جديد يليق بهذه القصيدة، وربما يأتي شاعر آخر يحقق المقصود.

بعيداً عن الثبوتية

وعن خصوصية قصيدة النثر في هذه المجموعة، أجاب: عملتُ على أن تكون قصيدة النثر في هذه المجموعة تجريبية انطلاقاً من أن الشعر تجريبي بالنسبة للمبدع لا يلتزم بقوالب ثابتة، يبحث عن محاولات جديدة بعيدة عن الثبوتية، فمنحت نفسي مساحة من الحرية، بكتابة النص وحاولتُ أن أخرج عن ثوابت قصيدة النثر فخلقتُ علاقات جديدة أكثر بين الكلمات، وعلاقات جديدة بين الأشياء والكلمات، لذلك سيفاجأ القارئ بصور غير مألوفة، وهذه مهمة الشاعر.

وعن مفهوم الذاتية فسّر بأن المجموعة تضمّ قصائد ذاتية، وأقصد ذاتية إنسانية تحمل هموم الآخر، فعندما أكتب عن نفسي أو الذين يشبهونني فأنا أكتب عن الآخرين، وميزة المجموعة أنها قصائد تتحدث عن القصيدة، ومن خلالها أنطلق إلى موضوعات أخرى، من موضوعة الحرب إلى موضوعة الإنسان إلى الحب إلى المستقبل والطفولة.

بين الأشياء والكلمات

أما حول العناوين الشائقة مثل “هبوط مفاجئ”، “حلم في ورقة”، “لا يعرف نفسه”، وغيرها، فقد قال: أتوخى الخروج عن التقليدية ومفاجأة القارئ بتداعيات جديدة.

وعن استخدامه رمزية الشجرة والنهر والصور الجديدة في هذه المجموعة، أوضح أن كل شاعر يتميز باستخدام مفردات معينة يكرّرها مثل الجبل والشجرة والنهر، وهي موجودة أيضاً في هذه المجموعة، لكن ليس بالدلالة السابقة ذاتها، وإنما توحي بحالات أخرى من خلال علاقاتها بسياق المفردات.

وعقّب الغوار عن انتقالاته بين الأجناس الأدبية: ما زلت أرى أن القصيدة الأقرب إلى ذاتي ولم تستطع أن تعتمل ما يدور في تفكيري حتى الآن، رغم انتقالاتي بين الأجناس الأدبية بين الخاطرة والمقالة والأقصوصة في كتابي “نداءات لصباحات بعيدة”، كما بدأت بمحاولة كتابة الرواية في بداياتي إلا أنها تحتاج إلى جهد وصبر وتخطيط وهندسة في بناء الأمكنة والأزمنة، بينما القصيدة قد تظهر من فكرة أو ومضة.

ونوّه بأن أغلب مجموعاته الشعرية وكتبه طُبعت في سورية باستثناء الأولى التي صدرت قبل الاحتلال، وطبعتها وزارة الثقافة والإعلام العراقية، وإلى أهمية التوقيع في المنتدى الثقافي العراقي المكان الجميل، الذي يعدّ ملتقى للعراقيين والسوريين ويؤكد على اللحمة القوية بين العاصمتين الثقافيتين القويتين بغداد ودمشق اللتين برزتا في تاريخ العرب، فدمشق عاصمة الخلافة الأموية، وبغداد عاصمة الخلافة العباسية.