ثقافةصحيفة البعث

كورال الفيحاء الوطني اللبناني باكورة التعاون الثقافي السوري اللبناني في دار الأوبرا

ملده شويكاني

“نسعى لتفعيل التعاون الثقافي مع وزارة الثقافة السورية”، هذا ما قاله وزير الثقافة اللبناني محمد وسام مرتضى في الأمسية التي قدّمها كورال الفيحاء الوطني اللبناني بقيادة المايسترو بركيف تسلاكيان على مسرح الدراما في دار الأوبرا. ويمثل كورال الفيحاء الوطني اللبناني صورة مصغّرة عن الطوائف والمذاهب اللبنانية بتنوع انتماءات أعضائه، وقد تجاوز حدود لبنان، فأسّس فرعاً في القاهرة عام 2017.

غنّى الكورال بتقنية الأكابيلا – الغناء دون موسيقا – وتميّز بخاصية التوزيع الرائعة للموسيقي إدوار طوريكيان، والتي عملت على أداء الكورال تقنيات متعدّدة من حيث التمتمات والآهات والتناوب بين الذكور والإناث والتنوع بالقفلة، إلا أن التقنية الأبرز كانت بتأخير الجملة الصوتية في مواضع لعدد من أعضاء الكورال مع أداء بقية أعضاء الكورال بتقنيات وتوزيع الأصوات، ما قدّم موسيقا صوتية رائعة أغنت عن الموسيقا الآلية.

وقد تنوّع البرنامج بين التراث السوري واللبناني والمصري، إضافة إلى الأناشيد الدينية الإسلامية والمسيحية التي حملت رسالة الكورال الإنسانية إلى العالم وعبّرت عن التلاحم الديني والاجتماعي. كما تميز الكورال بالأغنيات الأرمنية، وبعض المشاهد التعبيرية أثناء الغناء، فبدأ بالتراث السوري “يالأسمر اللون” بغناء الإناث وترديد الذكور “أسمراني” ومن ثم الغناء الجماعي بدرجات صوتية، ثم أغنية “هلا يا هلا” لزكي ناصيف بدأت بتمتمات غنائية، والتقطيع والتناوب بين الإناث والذكور.

ولتشجيع المايسترو تسلاكيان وعمله على تقديم قادة لنشر ثقافة الكورال، شارك أسامة شرف الدين بقيادة الكورال بمشاركة نادر بالغناء الإفرادي لأغنية “ليلة لو باقي بعمري ليلة” بترديد يا الله مع الآهات وتأخير بعض الجمل الصوتية والقفلة بالتمتمات.

ومن أجمل ما غنى الكورال “لبسوا الكفافي ومشوا” لمارسيل خليفة بمشاركة رولا أبو بكر بصوتها الرائع بالغناء الإفرادي. وتغيّر النمط الغنائي مع الأغنية العاطفية الأرمنية “شورورة” بلحن صوتي حيوي وبراق، ثم الانتقال إلى أغنية فيروز الشهيرة والأخوين رحباني “كان الزمان وكان” وبمشهد تعبيري لحنا السكران.

ومن التراث المصري “آه يا زين”، وغناء الإناث “إنت نعيمي وناري” والقفلة الجماعية.

كما قدّم الكورال أنشودة أسماء الله الحسنى من تأليف وتوزيع طوريكيان، مبتدئة بـ”أعوذ بالله من الشيطان الرجيم” والصلاة على سيدنا محمد، وترديد أسماء الله الحسنى، وتابع بأغنية شعبية لكوميداس، وسنفريان لفيلمون وهبة، وعودي يا سليمة لمارسيل خليفة غناء رولا أبو بكر، وترانيم بعدة لغات، واختتمت الأمسية بأغنيات الدبكة اللبنانية.

الارتقاء بالفكر

وزيرة الثقافة د. لبانة مشوّح تحدثت عن دار الأوبرا التي اعتادت على استضافة الأجمل والأرقى، وعلى تقديم ما تتميّز به الثقافة العربية والعالمية، وأشادت بكورال الفيحاء الوطني اللبناني المتميّز بأصوات رائعة وأداء متميّز وتوزيع هارموني بأربعة أصوات، ما يؤهله للصعود على مسرح دار أوبرا دمشق. كما توقفت عند البرنامج وأغنيات مارسيل خليفة، ما يؤكد على التزام الكورال بالفنّ الملتزم وبتقديمه فناً راقياً للارتقاء بالفكر أيضاً وليس بالذائقة الفنية.

صورة مجتمعية 

ثم تحدث وزير الثقافة اللبناني محمد وسام مرتضى عن لبنان البلد المتنوع بأطيافه، وعن الإعلام المغرض الذي يحاول زرع مكيدة بأن التنوع سبب نقمة، لذلك يعدّ كورال الفيحاء الذي يمثل كورال لبنان الوطني النموذج الحيّ المكوّن من مختلف المناطق اللبنانية، ومن مختلف المشارب والمذاهب اللبنانية المجتمعية، فكل فرد من أعضاء الكورال يغني بنغمته وصوته ليكوّنوا جميعاً موسيقا صوتية جامعة، ومن هنا تأتي أهمية كورال الفيحاء الوطني اللبناني.

وتابع مرتضى: سورية تعني لنا الكثير وقدّمت الكثير للبنان، ودفعت أفدح الأثمان بفعل مبدئيتها ووفائها لقضايا الأمة العربية ولبنان المقاوم العدوان الإسرائيلي، والذي نجح في تحرير أرضه من دنس العدوان الإسرائيلي بفضل الدعم السوري. واليوم نحن نسعى لتفعيل التعاون الثقافي مع وزارة الثقافة السورية، والبواكير كانت مع أمسية كورال الفيحاء الوطني اللبناني.

وأشاد المايسترو أندريه معلولي بهذه الأمسية التي عبّرت عن مشاركة أشقاء لنا بالروح والفكر وبالعيش المشترك، والتي نشرت الحب والفرح، وأشار إلى دقة أداء الكورال بتقنية الأكابيلا.

الصولو

وتوقفت “البعث” مع المايسترو بركيف تسلاكيان من أرمن لبنان عند تقنيات الغناء الجماعي لكورال الفيحاء، وخاصة تقنية تأخير الجملة الصوتية، فأوضح أن إدوار طوكيان محترف بالتوزيع ويستخدم التقنيات الغربية بالتقاليد الموجودة بالموسيقا العربية من حيث الصولو ومن ثم الترديد، والتوزيع وحده لا يكفي، بل لا بد من إيجاد توازن بتقنية غناء الكورال، مع دور الغناء الإفرادي.

وتحدث عن الصداقة التي تجمعه مع عدد من الموسيقيين السوريين ومتابعته بعض أمسيات كورال غاردينيا، متمنياً أن يحظى كورال الفيحاء بالتعاون بشكل رسمي مع بعض كورالات سورية، مبيّناً أهمية التعاون للارتقاء بفنية الكورال- الغناء الجماعي.

حاز كورال الفيحاء الذي جال دول العالم على العديد من الجوائز العالمية. وعن جائزة الحقوق الموسيقية التي حصل عليها من المجلس العالمي، عام 2016، لدوره في الدعم النفسي والاجتماعي للاجئين، عقب بأن هذه الجائزة تقدم كل سنتين لجهة ما، وحصلوا على الجائزة تقديراً لجهودهم بتهذيب الناس وتقريبهم من بعضهم، وعملهم ليس فقط للاجئين السوريين وإنما للفلسطينيين أيضاً، إضافة إلى المناطق اللبنانية التي تعاني من الفقر والمشكلات الاجتماعية، وامتد نشاطهم لأوروبا، إذ تمّت دعوتهم مرات عديدة لتدريب المسؤولين عن تدريب الكورالات وعملهم ضمن هذا المجال.

وأعرب أسامة شرف الدين عن سعادته بالمشاركة مع الكورال، وأشاد بجمالية تصميم دار الأوبرا والتقنيات الفنية المتطورة من حيث الإضاءة والصوت.