رأيصحيفة البعث

محاولة أمريكية لاستعادة لحظة “النكسة”

أحمد حسن

لا يمكن قراءة الخطوات الأمريكية العدوانية المتتابعة في المنطقة، وخاصة تجاه سورية، إلا في سياق محاولتها الدائمة لتثبيت مفاعيل حدثين رئيسيين ارتبطا بتاريخين مفصلين: أولهما “نكبة” أيار عام 1948، وثانيهما “نكسة” حزيران عام 1967 التي تمرّ ذكراها اليوم، وإذا كان القرار في أولهما بريطاني والتنفيذ أمريكي – دولي بصيغة ما، فإن القرار والتنفيذ في التاريخ الثاني كان أمريكياً – إسرائيلياً بالتكافل والتضامن الكاملين.

ولأن إسقاط الدول والأنظمة الوطنية في المنطقة أو تركيعها هو قرار أمريكي استراتيجي، لذلك لم نشهد تغيّراً ملموساً في جوهر “المشروع” بعد أكثر من نصف قرن على “النكسة” إلا بتقدّم الأصيل الأمريكي نحو تصدّر المواجهة في سورية نتيجة فشل الوكيل الإسرائيلي ومن سانده مؤخراً من أمثال “القاعدة” ومنظمات الإرهاب المصنّعة أمريكياً، كوكلاء محليين للخارج. ويمكن القول بكل ثقة: إن سبب هذا التصدّر اليوم هو وعي واشنطن التام بحقيقة أنها وإن أسقطت “لاءات” الخرطوم المرتبطة زمنياً بـ “النكسة” من التداول السياسي الرسمي العربي، إلا أنها لم تسقطها من التداول الشعبي المستند فعلياً إلى أنظمة وطنية في دول تمثّل سورية تحديداً أبرز معبّر عنها.

ومع عدم إنكارنا لأثر ونتائج نكسة حزيران في الجغرافيا والوعي كما الأثمان الكبيرة – بشرياً وحضارياً – التي دُفعت بسببها، فإن مجرد الصمود حينها كان نصراً. كما أن مجرد تصدّر واشنطن للمواجهة المباشرة في محاولة حثيثة لاستعادة “لحظة حزيران” هذه، بعد هذا الزمن الطويل، يعني تراكماً لهذا الفشل، وبالتالي تأكيداً جديداً على أن سورية التي لم تسقط في ذلك الزمن الذي كان شاهداً على صعود “الإمبراطورية”، لن تسقط أيضاً في هذا الزمن الشاهد على انحدار هذه الإمبراطورية ولو بصورة تدريجية.

والحال أن هناك من الدلائل والحقائق ما يدعم ذلك، فواشنطن التي بادرت، وإن بأيدٍ إسرائيلية، للحرب عام 1967، تبدو اليوم  – ورغم كل “ضجيجها” الهجومي – في موقع الدفاع سواء كان ذلك في وجه تقدّم الدولة السورية في عملية استعادة استقرارها الجغرافي والسياسي، أم في مواجهة الخطوات العربية والإقليمية الباحثة عن الاستقرار في المنطقة، وفق قواعد جديدة مختلفة عن القواعد التي رسمتها واشنطن خلال العشرية السوداء الماضية، والانتقال من الهجوم إلى الدفاع يعني الكثير في سيرورة وصيرورة الدول بصورة عامة. ومن هنا، فإن حراكها العسكري في شمال سورية وشرقها عبر السعي لخلق “جيش” جديد في الرقة، كما حراكها السياسي في أروقة مجلس الأمن لمحاولة إعادة الإمساك بالملف الإنساني وما يسمّى مشاريع “التعافي المبكر”، وكما استعدادها لعدوان اقتصادي جديد، لا يعبّر إلا عن عمل دفاعي آخر عن مشروع “لحظة حزيران” السابقة.

ومن هنا أيضاً، فإن أحد أوجه مقاومة سورية اليوم للمشاريع الخارجية هو أيضاً استمرار لمقاومتها الدائمة والمستمرة لمحاولات الخارج تثبيت مفاعيل “النكسة”، وإذا كانت حرب الاستنزاف التي تلت “النكسة” فوراً وحرب تشرين التحريرية بعد أعوام قليلة عليها هي وجه عسكري للمقاومة، فإن الوجه السياسي تمثّل بإصرارها الدائم على عروبة الصراع مع العدو كمحفّز لعمل عربي مشترك خدمة لمستقبل عربي أفضل لن يتحقّق دون وعي الحقائق السابقة كلها رغم كل الغشاوة التي طُرحت عليها، عمداً، خلال المرحلة الماضية.

ولأن سورية هي خير من يقرأ الواقع والوقائع وموازين القوى الإقليمية والدولية كما هي، فإنها تعرف، وتسعى، لأن تكون معركتها اليوم، كما بالأمس، الصمود السياسي والميداني والعمل الدائم على “لمّ” الشتات العربي في مواجهة حرب تثبيت نتائج “النكسة”، وهي حرب قاسية ومستمرة وطويلة كما يعرف الجميع.