سورية ليست مكاناً للأوراق الكاذبة
علي اليوسف
كانت سوتشي على موعد جديد بين الرئيسين الروسي والتركي، لكن لم يكن هناك أيّ جديد في تحريك أيّ من الملفات الكثيرة الساخنة، ومنها الملف السوري، بسبب المناورة التي يتبعها النظام التركي، وتملّصه من التزاماته، وعدم تفعيل المسار السياسي باتجاه سورية، إذ إن كلّ ما يبديه هذا النظام حتى الآن هو الاستمرار في تصعيد الخيار العسكري الذي تقوم به الجماعات الإرهابية التابعة لتركيا في ريفي حلب واللاذقية، فضلاً عن محاولة ما يُسمّى “الجيش الوطني” استغلال الحراك العشائري للدخول إلى مدينة منبج وتهديد محافظة حلب.
وبتعقيدات الملف السوري لا يبدو أن هناك انعطافة كبيرة في التقارب بين سورية وتركيا على الرغم من الحراك الدبلوماسي النشط على محوري موسكو وطهران، لأن هذه الانعطافة بحاجة إلى قرار من رأس النظام التركي وعدم المراوغة والالتفاف على مطالب الدولة السورية بالانسحاب من سورية كشرط لعودة العلاقات.
ومن يقرأ ما وراء السطور يدرك كيف بدا واضحاً أن بوتين، في هذا اللقاء، لم يعوّل على تغيير جذريّ في السياسة التركية، لكن ما تقتضيه الضرورة هو الحفاظ على علاقات هشّة بدلاً من العداء، وهذا بالتالي يقود إلى القول بأن لقاء بوتين وأردوغان يمكن إدراجه في خانة نهاية سياسة المناورات، إذ يبدو أن هناك مرحلة جديدة في السياسة الخارجية الروسية تجاه تركيا، خاصةً وأن جملة المصالح المتضاربة التي تربط بين روسيا وتركيا باتت أكثر تعقيداً، وتحديداً العمليات العسكرية التي تقوم بها المجموعات الإرهابية الموالية لتركيا في الشمال السوري، بالإضافة إلى العمليات العسكرية التي تقوم بها القوات التركية في الجزيرة السورية، وهذا ليس بجديد عليها، إذ منذ بداية الحرب على سورية عام 2011 قدّمت أنقرة دعماً كبيراً للإرهابيين، كما شنّت منذ العام 2016 ثلاث عمليات عسكرية واسعة في سورية، وتمكّنت قواتها بالتعاون مع فصائل إرهابية موالية لها من احتلال مناطق حدودية واسعة في شمال سورية.
إذاً لم يحمل اجتماع سوتشي أي جديد فيما يتعلق بتطبيع العلاقات بين أنقرة ودمشق، على الرغم من أن التصريحات التي أطلقها الرئيس الروسي ليست غريبة على مسامع أردوغان، لكن هذا الأخير تعمّد الالتفاف لإدراكه المسبق بجديّة دمشق أن تطبيع العلاقات يجب أن يُبنى على أسس القانون الدولي وعلى قرارات مجلس الأمن وعلى البيانات الختامية لاجتماعات أستانة التي صادق عليها الأتراك، والتي تؤكد جميعها على سيادة ووحدة الأراضي السورية، أي انسحاب كلّ القوات التي دخلت الأراضي السورية بشكل غير شرعي، وفي مقدمتهم القوات التركية.
ومادام الملف السوري لم يكن حاضراً بقوة كقوة صفقة الحبوب والعلاقات الاقتصادية بين روسيا وتركيا –لم تنجح هي الأخرى- فهذا يؤكد من جديد أن أردوغان تتنازعه رغبات متناقضة، فهو يطمح في تطبيع العلاقات مع دمشق تماشياً مع وساطات روسيا وإيران، لكنه يناور ويحاول التنكر لكلّ وعوده السابقة، ووضع أوراقه الكاذبة في الملعب السوري، على الرغم من أن الدولة السورية قالت كلمتها الصريحة والواضحة على لسان السيد الرئيس بشار الأسد في اللقاء الذي أجرته “سكاي نيوز عربية” بأن الانسحاب التركي من الأراضي السورية هو شرط أساسي لتطبيع العلاقات.