ما المطلوب؟.. بين الديمقراطية والتنمية.. والتدخل الخارجي
د. عبد اللطيف عمران
تواجه المواطن العربي اليوم أسئلة ملحّة في واقع مفتوح على عدد من الاحتمالات المتباينة، مع مطلع العقد الثاني من القرن 21، وتتصل بقضايا وطنية وعروبية، منها التجربة التنموية، والديمقراطية، والتدخل الخارجي، وتحرير الأرض والإرادة.
وبالمجمل فهي أسئلة صعبة لأنها تمس جغرافيا سياسية اقتصادية معاصرة معقدة التشكيل رُسمت بقرارات من الدولة الغربية، بعيداً عن إرادة العرب، ومجردة من مسوغات تاريخية، أو وطنية، أو قومية -كتشطير سورية الطبيعية مثلاً-. وتزداد الصعوبة اليوم مع تواصل التدخل الأجنبي في أي خلل بين النظام الرسمي ومكونات المجتمع. ذلك على الرغم من استمرار حضور مقومات الأمة في وجدان الجماهير العربية.
ومع بروز وعي جماهيري تحرري عروبي واضح في مختلف البلدان منذ القرن الماضي، إلا أن خلاصة هذا الوعي لم تُستحصد إنجازاً على ما كان مأمولاً، ومخططاً له من روّاد حركة النهضة والتحرر وتكاد تنحصر أسباب هذا في عاملين أساسيين مترابطين أولهما التدخل الاستعماري المعاصر والحديث، وثانيهما المشروع الصهيوني.
ومن الخطأ، والضرر هنا تغييب أثر العامل الذاتي، ولاسيما في غياب التركيز على الربط بين التنمية الاقتصادية والاجتماعية، وبين إنجاز التحول الديمقراطي الحقيقي، فهناك علاقة عضوية إيجابية بين التنمية والديمقراطية.
وبالرغم من أن القياسات التجريبية للديمقراطية لا تقدم صورة حقيقية، بالضرورة، عن الوضع الديمقراطي، لا في البلدان النامية، ولا المتقدمة، لأن المصالح الليبرالية والشركات الكبرى، والسيطرة على الإعلام، لها تأثير كبير في العملية الديمقراطية، وكذلك اللوبيات كما نرى في الغرب، فغالباً ما تُستغل هذه القياسات وفق ازدواجية في المفهوم، ومسوغاً للتدخل.
وعربياً فقد أثرت سلباً عوامل عديدة في مسألتي التنمية والديمقراطية أبرزها استمرار الصراع العربي الإسرائيلي المشوب بتدخّل المركزية الغربية، وتغييب مفاهيم الحقوق والشرعية والعدالة، وتعثّر المشروع القومي العربي والعمل المشترك، وهلهلة مقومات الدولة الوطنية في عدد من البلدان العربية، وما نجم عن هذا من نزاعات داخلية ذات طابع سياسي أو ديني أو عرقي أو طبقي. واستمرار هذا حتى اليوم لا يبعث على التفاؤل كما هو واضح في بلدان مشرق الأمة ومغربها.
بالرغم مما سبق، فلا ينبغي نكران أثر العامل الذاتي، والتهرّب من المسؤولية الوطنية أو القومية، واللجوء الى العامل الخارجي، أو نظرية المؤامرة، فهذه حالة مرضية لقوى تعيق الوعي والتنمية والتحرر، تجد في دخولها ساحة التآمر الخارجي مسوّغاً وملاذاً، فتبتعد عن صدق الإحساس بنبض الشارع، وبهموم الوطن والأمة، وتهمل دور الثقافة القومية والتربية الوطنية، ومقاومة الاحتلال والغزو الثقافي، وكل ما يوطّد دور الدولة الوطنية، وشرعية النظام الرسمي.
فقد واجهت سورية مع الخطة الخمسية العاشرة 2005، وضعاً إقليمياً ودولياً صعباً، استشرى خلاله الوجود والتدخل الأجنبي في المنطقة، واختلط ذلك بمحاولات الحصار والعزل والافتراء، ولم يجعل هذا الوضع الصعب قيادتها بمنأى عن الاهتمام بالعامل الذاتي في المواجهة، انطلاقاً من الاهتمام بالتنمية السياسية والاقتصادية والاجتماعية، ومن تطوير مستمر للتجربة الديمقراطية، فتعززت الوحدة الوطنية على مختلف المستويات، وبرز رئيسها رائداً في أي مدّ جماهيري ووطني، وعروبي، فحققت البلاد رغم الأزمات الإقليمية والعالمية خطوات نجاح مهمة في كافة القطاعات.
وتعمل اليوم قيادة الحزب والدولة، مع الخطة الخمسية الجديدة، وبعد نقاشات جرت سابقاً بشكل واسع، على الاستثمار الأمثل لمختلف الموارد، ما يبشّر بتفاؤل ظهرت ملامحه منذ بداية الخطة مع مرسومي الصندوق الوطني للمعونة الاجتماعية، وزيادة تعويض التدفئة، واقتران ذلك بدعم مستمر لأسس المشروع الوطني والقومي تجلى ذلك في لقاءات الرئيس الأسد مع المنظمات والنقابات حيث التوجّه «الى نشر الوعي الثقافي بهموم الأمة، وبتجسيد هموم المواطن اليومية، وتعزيز الصلات مع الجماهير، والإسهام في عملية التنمية».
وهذا هو المطلوب لترسيخ التجربة الديمقراطية، والاستمرار في مقاومة معوقات التحرير والبناء والصمود في وجه مختلف التحديات.