البعث عماد الاستقرار ومحور التغيير
د. عبد اللطيف عمران
تبدأ اليوم المرحلة الثالثة من الانتخابات الحزبية على مستوى قيادات الفروع في ظل ظروف تتميز بالحساسية والترقّب، والتفاؤل أيضاً، فقد امتلك الحزب عبر تاريخه النضالي نظرية وخبرة وتجربة تؤهله لتأكيد مشروعه الوطني العروبي، وإلى تجدد هذا المشروع بما يواكب المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية. وقدرته أيضاً عى قيادة العمل الشعبي نحو آفاق أفضل.
فقد تعرضت مسيرة الحزب، وقيادته للدولة والمجتمع، الى تحديات عديدة أثبت خلالها نجاحاً مستمراً تغلبت فيه مصالح الشعب وقضايا الأمة والالتزام بتحرير الأرض والإرادة ودعم المقاومة الوطنية، على هذه التحديات، وأهمها مواجهة المشروع الصهيوني وما يهدف إليه من استلاب الإرادة والوعي.
وستفرز الانتخابات الحزبية الراهنة قيادات جديدة في الفرق والشُعب والفروع الحزبية، يقع على عاتقها مهام نوعية في واقع مغاير لما كان مألوفاً سابقاً، ولاسيما أن الجهاز الحزبي خاض بعد المؤتمر القطري التاسع والعاشر للحزب نقاشات جدّية طرح خلالها تساؤلات مهمة في المنطلقات الفكرية، واللائحة الداخلية، والعمل الحزبي، وعلاقة الحزب بالسلطة.. وجاءت هذه النقاشات في مناخ عالمي جديد تميّز بضرورة الحوار، والانفتاح على الآخر، وترافق مع انهيار الإيديولوجيات، ورسوخ مفرزات العولمة، وتقدّم المشهد الاحتجاجي الشبابي العربي الذي لم يترافق مع فكر سياسي يمكن أن تنضوي خلاله فاعليات شعبية وطنية، تتمكن من إنتاج أحزاب ذات برامج واضحة، فما يزال سائداً هناك نوع من الانفجار الحزبي اللانوعي الذي تتحطم معه ملامح الحياة الحزبية أو السياسية في عدد من البلدان العربية.
فهناك اليوم، على المستوى الدولي متغيرات جديدة في الحياة السياسية والحزبية، بعد شيوع ظاهرة العولمة، وما رافقها من حدة التدخل الأجنبي، إضافة الى ما أفرزته ثورة الاتصالات، ونتائج عمل وسائل الإعلام المستحدثة، حيث ظهر بطء بعض الأحزاب السياسية في قراءة المتغيرات، وتأخّر دورها في التعامل أو التكيّف مع هذه المتغيرات، ما أسهم في انخراط فعاليات اجتماعية متنوعة في العمل السياسي، وفي إعادة تشكيل علاقة الأحزاب الحاكمة بالسلطة، بعيداً عن الحزبية، وعن الالتزام السياسي المسبق والواضح، وعن الأخذ بالحسبان ضرورة ارتباط أحلام التغيير بمقاربة واقعية كبيرة في ظل ظروف من الاحتقان السياسي والاجتماعي أفرزتها متطلبات الاندماج والتكيّف.
ومع حصول تحوّل واضح في طرائق تفكير الشعوب تجاه الأحزاب السياسية، فإن هذا التحوّل لم يُفقِد عدداً من الأحزاب مكانتها المهمة والمأمولة في بناء التوجهات المنظّمة للعمل السياسي والاجتماعي والاقتصادي، لذلك ستتمكن بعض الأحزاب السياسية من إعادة توطيد حضورها بما يتناسب طرداً مع قدرتها على: التجديد، والتغيير، والإضافة.
وفي بلاد كبلادنا لن يؤدي تراجع تأثير القوى السياسية الى نجاح دور فعاليات اجتماعية أو اقتصادية في عملية التغيير وقيادتها، ففي هذا مخاطر واضحة بسبب خصوصية الواقع العربي الذي يحتاج دائماً، واليوم أكثر من أي وقت مضى، الى تحوّل ديمقراطي حقيقي يفرز نخباً ديمقراطية واعية وملتزمة قادرة على قيادة هذا التحوّل لمصلحة الجماهير.
لذلك يغدو البعث بمشروعه القومي، وبأهدافه ورسالته الحامل السياسي والاجتماعي الأهم والأقدر على تحقيق مصالح الشعب وتطلعاته لأنه أثبت قدرته على التعامل مع المتغيرات، وأثبتت الظروف ضرورة أهدافه ومبادئه ورسالته. ولا وطنياً أو عروبياً قادر على إثبات حضوره في التعارض مع مشروعه في النضال ضد التجزئة والتخلف والانقسام، مع لحظ بعض المفرزات السلبية لوصول أي حزب ثوري الى السلطة.
والبعث اليوم مطالب بالمراجعة النقدية، وبالحوار -ومن الخطأ أن يكون وحده مطالباً- وبأن يزيد مساحة دائرة اهتمامه بالمتغيّر والجديد في واقع عربي تزداد فيه مخاطر التدخل الخارجي، والانقسام الإثني والديني والطائفي والاجتماعي، وتنعكس هذه المخاطر واقعاً عربياً يومياً مريراً يستدعي أهمية حضور البعث وشبابه وأهدافه ورسالته في كافة الساحات.
والبعث قادر على أن «يبقى انتماءنا وفكرنا ومرجعيتنا.. فاستمراره مضمون بمقدار تلازمه مع الواقع وتماشيه مع تطوراته.. وسيبقى في هذا الوطن صامداً ومجيداً، وسيكون عماد أي استقرار، ومحور أي تغيير أو إنجاز» فلتتضافر الجهود الوطنية لترسيخ مشروع البعث، المشروع الوطني والقومي المنطلق من الوحدة الوطنية، الحريص باستمرار على مصالح الشعب والأمة، ضد التخلف والتجزئة والانقسام والتدخل الأجنبي، ولتكن الانتخابات الحزبية، والعمل الحزبي، عماد الاستقرار والتغيير.