اللعــــبة
د. عبد اللطيف عمران
استهداف سورية الآن، ليس طارئاً، أو من فراغ، لكن الطارئ هو في قواعد جديدة للعبة، بعضها مفاجئ ولم يكن في الحسبان، حيث تم اختيار زمان ومكان لمسرح الأحداث يقوم على أسس خبيثة ودنيئة جداً، منها التضليل الإعلامي، والاستغلال الخارجي لمفاصل الضعف في الوعي والأخلاق، وتزوير الحقائق وتسخير وسائل الإعلام التقليدية والمستحدثة لأهداف غير إنسانية، حيث تم نقل وظيفة «شاهد العيان» من ناقل للحدث، الى صانع مسبق له، وتم تخطيط مسبق لنقل الأداء الإجرامي وتنويعه بين منطقة وأخرى، حيث تتوالد الأساليب وتتباين وتتجدّد بأدوات للخارج دور أساسي فيها، وليظن الناس أن حجم الاستهداف أكبر من طاقة الشعب وقدرة الدولة، بحيث تنتقل جغرافية الحدث بين يوم وآخر لاعتبارات تُسوّغ خارجياً على أنها بدأت سلمية ومطلبية، وتحولت مع الصدام بالضرورة الى مواجهة مسلحة.
وقد أسفر التعامل الرسمي بهدوء وروية مع ما يجري في عدد من مناطق سورية عن بعد نظر، وعن قوة كامنة يُراهن عليها، مع العلم أن هذا التعامل يصطدم مع رغبة جماهير الشعب والحزب والمنظمات والنقابات، وسائر مؤسسات المجتمع الأهلي بضرورة التصدي مباشرة وبقوة لمن يعبث بأمن سورية واستقرارها.
فمازال التساؤل قائماً، وسيبقى مستمراً لوقت طويل على مايبدو، حول أصحاب المصلحة الحقيقية في نتائج ما يجري. فهناك اجتهادات متباينة وعديدة في قراءة الأحداث، حصيلتها مزيد من الوعي والالتزام الجمعي بعد أن بدأت تتكشف حقائق غريبة، بعضها لم يكن متوقّعاً. ولن تكون جماهير شعبنا وأمتنا بمنأى عن إدراك أبعاد اللعبة القذرة.
فرهان سورية على وعي الشعب، ووحدته الوطنية، رهان قوي لا ينقطع، تؤكده ظروف عديدة، خرجت البلاد منها أكثر منعة وصلابة وقوة في مواجهة كافة أشكال التآمر والتهديد، لأنها تعرف مسبقاً أنها ستدفع ضريبة سعيها الدائم الى تعويض معادلة القوة الفاقدة في ساحة المواجهة مع العدو الحقيقي، وتفصل دائماً بين معالجة الخطأ، ومواجهة الاستهداف.
ولسوء الحظ فقد عانت سورية والمنطقة من نتائج صعبة لأحداث متتالية بدأت مع أحداث أيلول، واحتلال بغداد، واغتيال الحريري، والعدوان على لبنان وغزة… وصولاً الى الأحداث الراهنة، حيث ازداد الاتجاه نحو تدويل قضايا المنطقة، وكذلك التدخل الأجنبي، وما رافق ذلك من تقهقر العمل العربي المشترك، وبروز مظاهر الانقسام والاقتتال، وكانت ثوابت السياسة السورية ومبدئيتها في خضم هذه الظروف تنطلق من التمسك بمصالح الشعب وحقوق الأمة وقضاياها.
فقد التزمت سورية في سياساتها المحلية والإقليمية والدولية موقفاً مناهضاً للمشروع الصهيوني، وللتدخل الأجنبي، موقفاً وطنياً وعروبياً مجابهاً للاستسلام والتفريط والاحتلال والعدوان أدى الى خلافات مع قوى فاعلة في المنطقة، ولاسيما التوجهات السياسية للغرب بمفهومه الجيوسياسي، حيث قابلته بمبدئية ووضوح، وانطلاقاً من مصالح وطنية وعربية في عدد من القضايا أهمها:
السلام الحقيقي – نقد دوره وسياساته – الشراكة الأوروبية – الاستجابة للإملاءات. فكان قانون محاسبة سورية، واستمرار انتهاز فرصة معاقبتها أو إرباكها.
وقد ترافق هذا مع تصاعد شعور السوريين التاريخي بالعزة والكرامة، وبتقدير محلي وإقليمي ودولي لمواقف سورية، مكّنها من مجابهة الضغوط والتحديات، فازداد حضورها ودورها على مسرح الأحداث، وترسخت فيها اللحمة الوطنية، لانتصارها تاريخياً لقضايا شعبها وأمتها، وبروز رجال منهم سليمان الحلبي، وعز الدين القسّام وجول جمال..، وما يتصل بهذا من مناصرتها لحركة التحرر العربية والعالمية.. وصولاً الى دورها الراهن والمتميّز في دعم المقاومة الوطنية، والحقوق والمصالح العربية، ونجاحها في كسر محاولات الحصار والعزل. ما جعل المزاج العام فيها يكرّس الإباء والصمود الوطني والعربي، هذا المزاج الذي يتمثّل بشجاعة الرئيس الأسد وشموخه وكبريائه.
لقد جاءت الأحداث الراهنة في خضم توجه مستمر نحو التنمية والإصلاح السياسي والاقتصادي والإداري، إصلاح يصدق فيه قول مفكر سوري: “نحن بحاجة الى إصلاح أكبر من ثورة”. وكان تعثّر هذا التوجّه لظروف موضوعية وذاتية هي قيد المراجعة والمتابعة والمساءلة، مراجعة سيسقط معها ظن من يرى أن مخطط الاستهداف الخارجي أقوى من يقظة الشعب ووحدته ووعيه.
وستفشل اللعبة، وسيكون الحل نابعاً من الداخل، وقد ظهرت بعض ملامحه في قرارات القيادة القطرية الخميس الماضي، وستكشف الأيام القادمة مزيداً من الخطوات التي سترسخ منعة الوطن ووحدة الشعب والتفافه خلف قائده الكبير دائماً، وسيلقّن شعب سورية خصوم وحدته وأمنه وتطلعاته من المأجورين وعملاء الخارج، درساً مهماً في التعامل مع اللعبة.