القراءة الصحيحة.. والقرار الصواب
د. عبد اللطيف عمران
منذ زمن ليس بالقصير تجابه سورية ردود فعل إقليمية ودولية على ريادتها العمل العربي الرسمي والشعبي، وعلى دأبها الواضح لتعديل الوضع المحرج في توازن القوى في الشرق الأوسط، هذا التوازن الذي يصبّ، بوضوح، في دعم قضايا العرب سواء في مسائل السلام ومواجهة المشروع الصهيوني، أو التكامل والتعاون الإقليمي، ودعم المقاومة، والوفاق الوطني في البلاد العربية، وتعزيز الهوية والانتماء.
ولم يمر في تاريخها المعاصر لحظة استسلام للتحديات والمؤامرات، وللمستجدّ من أحداث ومتغيرات، فراهنت، ومازالت، على التجانس في المعتقدات والأهداف في سياساتها وتوجهاتها بين القيادة وتطلعات الشعب السوري والعربي، هذا التجانس الذي أكده السيد الرئيس في مقابلته مع صحيفة وول ستريت جورنال، وهو بعض الذي مكّنها من مجابهة الاستهداف، وسياسات الحصار والعزل. ولم يغب عن القوى المضادة العمل دائماً على إرباك سورية من الداخل، أو من دول الجوار.
ومواقف سورية من السياسات الصهيونية والنيوكولونيالية في المنطقة معلنة في إطار تقليدي، ومتجدد أيضاً، وكذلك الأمر فيما تشهده الساحة العربية من متغيرات، حيث العمل باستمرار على درء مخاطر الأحداث المستجدة على قضايا الشعب وحقوق الأمة. وهي تشكّل بهذا عقبة إقليمية دائمة في وجه مخططات الفوضى، والاستسلام، والشرق الأوسط الجديد، لذلك يطالب الغرب وحلفاؤه هو تغيير سلوك النظام، فمن الذي سيربح من تغيير هذا السلوك، والحال على ما هي عليه من احتلال وعدوان وانقسام وفتن، وصراع دائم معلن وخفي بين مشروعين متناقضين على الدوام في المنطقة: عروبي وصهيوني؟.
كما نسمع الآن حديثاً فيه اجتهاد… عن التأخر في الإصلاحات، هذا التأخر غير المرغوب، والذي سيكون موضع مراجعة ونقد ومعالجة. لكنه أمر واقع على مايبدو في قضايا المنطقة عامة. ألم يتأخر الحلّ في العراق وأفغانستان، وكذلك الأمر في تنفيذ قرارات الشرعية الدولية تجاه الحقوق العربية؟.
لم تكن سورية قيادة وشعباً، ولن تكون في يوم من الأيام، في لحظة ندم أو تراجع تجاه مبادئها وثوابتها منذ كامب ديفيد، الى حربي الخليج، الى دعم الصمود والتحرر العربي، حتى في مواقفها الأخيرة في الجامعة العربية، ولاسيما ما يتعلق بالأوضاع في ليبيا، وهي تنظر بأسف وانتقاد الى ضعف المجتمع الدولي، والأمم المتحدة، وتقدّم سياسة ازدواجية المعايير تجاه القضايا العربية الأساسية، ما يجعل التساؤل مهماً حول تفعيل دور الغرب والأمم المتحدة في حماية الشعب الفلسطيني على أرضه. هذا الدور المراوغ الذي يظهر صارخاً الآن في الأحداث الراهنة، تشجيعاً للجرائم الإعلامية، ولا مبالاة تجاه أرواح الضحايا الآمنين.
في سورية اليوم مظاهر حركة مسلحة تعتدي على المواطنين، وتروّع الآمنين، وتحطّم الممتلكات الخاصة والعامة، تلقى دعماً رجعياً وخارجياً خبيثاً، وتعمل على دمج المطالب الصحيحة والمشروعة مع شعارات ذات طابع تحريضي وظلامي وطائفي موجّه ضد الاستقرار والسلم الأهلي، والمفاهيم العلمانية وروح التسامح والمحبة والعطاء التي يتميز بها تاريخياً المجتمع السوري، وتتضافر مع هذه المظاهر حرب إعلامية منظّمة تضخّم الأحداث، وتشوّه الوقائع، وتنشر الأكاذيب، وتستأجر أبواباً تتشدق بما يصدر عن عمالة ورخص وتآمر، مفيدة من منجزات التواصل الحديثة، ومن أموال مغدقة سلفاً، ومن أساليب ذكية وخبيثة ودنيئة.
لذلك يغدو ما تشهده سورية ليس بعامّته حركة احتجاج شعبي، ففيه غير قليل من الفعل التحريضي الهدّام، والمنعكس ضرراً مباشراً على المجتمع والدولة، والذي لاشك سيقابل -وكما هو واضح- بصمود وتماسك شعبي وطني مشرّف تشكّل الجماهير الشعبية دعامته الأساسية، ما سيفوّت الفرصة على أعداء الشعب والوطن، ويقطّع أوصال المؤامرة. وسيُعزز هذا الصمود والتماسك والوعي بتنفيذ قرارات القيادة القطرية الخميس الماضي، وتوجهات الرئيس الأسد المعلنة بالأمس، وهي قرارات مهمة ومطلوبة بإلحاح، وليست قرارات فردية، بل يحتاج تنفيذها الى مؤسسات ديمقراطية وتكنوقراطية قويّة قادمة على مستوى الحكومة، والأحزاب، ومجلس الشعب والإدارة المحلية، وقد أوضح الرئيس الأسد هذا بشجاعة قادته الى بيان المسؤولية في تأخّر زمن إنجاز الإصلاح. شجاعة وقوّة تمكّنان من إنجاز الوعد في وقت قريب، لتبقى سورية أمل شعبها وأمتها، كما هو معهود دائماً.