الإصلاح.. ظروفه وشروطه
د. عبد اللطيف عمران
بدأت سورية بمعالجة المشكلة الراهنة بإدراك واعٍ ومسؤول لطبيعتها وأسبابها، انطلاقاً من حرص معهود على تماسك جبهتها الداخلية، وعلى مصالح الشعب وقضايا الأمة في زمن عربي صعب تعصف فيه متغيرات من جهة، واستمرار الاحتلال والعدوان من جهة أخرى، وما يتصل بالمشروع الصهيوني وما يلقاه من دعم والتزام متعدد الجوانب.
وكانت بداية المعالجة عملية تمس متطلبات الأمن والأمان والاستقرار الحقيقية من حيث الإسراع في تنفيذ توصيات المؤتمر القطري العاشر للحزب، ومضت الإجراءات سريعة انطلاقاً من تحسين الأوضاع المعيشية، وما يتصل بذلك مما يضمن الأمن الحقيقي للمواطنين وللوطن، هذا الأمان الذي تجتهد الآن قوى مجرمة على الإخلال به.
ومن الواضح أن إجراءات الإصلاح تمضي بشكل جدي، وهي تمعن في عمق المشكلات، وفي أسبابها ونتائجها، وتصدر عن إرادة قوية وحقيقية، تأخذ بالحسبان الفرق بين ما الذي يجب تغييره، وما الذي يجب الحفاظ عليه وتطويره؟ لأن سورية تعرف أن تجربتها الديمقراطية لم تكتمل، وليست دون سلبيات، وهي بحاجة إلى مراجعة ومتابعة مستمرة.
وفي الواقع فإن البلاد عرفت حياة ديمقراطية، واستقراراً، وتعددية حزبية واقتصادية، وحواراً وطنياً هادئاً وهادفاً، مكّنها من الاضطلاع بدور مشهود في دعم الوحدة الوطنية والوفاق الوطني والمحلي والعربي، والمشروع القومي، وأداء دور أساسي في الاستقرار والتعاون والتكامل الإقليمي. وقد طرحت قيادتها منذ أكثر من عقد مضى مشروعاً مهماً وواضح المعالم في الإصلاح والتحديث، لكنه قوبل بتحديات كثيرة معروفة، استُهدفت خلالها البلاد بسلسلة من الضغوط والتهديدات وسياسة العزل والحصار والاتهام ما أسهم بوضوح في عرقلته وتأخيره.
ومع التوجهات الواضحة الراهنة في الإصلاح والتغيير فإن أحداث الشغب والتجنيد والتجييش والفتنة التي تصل إلى حد المؤامرة لن تستطيع أن تعرقل هذه التوجهات التي ليست وليدة الأحداث الراهنة بل هي في صلب السياسة الداخلية منذ زمن، وستنجح هذه التوجهات، وستفشل محاولات الانتفاض عليها، لأن شعبنا يعرف أن «المؤامرة اعتمدت الخلط بين الفتنة والإصلاح والحاجات اليومية»، ولأننا نثق بالرأي العام الشعبي الواسع الذي بدأ يضغط بقوة لاجتثاث جذور التآمر على أمنه ومصالحه. وهو يدرك حجم وأبعاد المخططات التي طالما استهدفت وحدته ومصالحه ودوره الوطني والعروبي الأصيل، هذا الشعب الذي يعتز بكرامته الوطنية، وببقاء بلاده قلب العروبة النابض، والصخرة التي تتحطم عليها مشاريع تقويض الأمن والاستقرار، ويدرك بوعيه أبعاد جريمة من أفسد عليه جماليات يوم الجمعة الأصيل، وحوّل هذا اليوم من تعزيز لأواصر المحبة والتواصل والترفيه إلى خوف وقلق وعبث في الدين والدنيا.
والسوريون يعرفون أكثر من غيرهم أن الإصلاح والتغيير ليس حلاً سحريّاً، وأن المطالب السياسية في الحرية، والعدالة الاجتماعية، ومحاربة الفساد، والاحتكام إلى الانتخابات، وتحرير الإعلام…
هي نفسها في بلدان العالم أجمع، وأن هذه المطالب لا تُنال بالشغب والإجرام والفتنة، كما يعرفون أن البلاد تعيش منذ فترة غير قصيرة مرحلة تحول ديمقراطي حقيقي تمثّلت بعض مظاهره في الانفتاح الاجتماعي والسياسي والاقتصادي، وفي تفعيل دور المجتمع والجمعيات الأهلية.
لقد اعتمدت إدارة الإصلاح الراهنة طرح الحوار الوطني لا المواجهة بين أطياف الشعب، فإضافة إلى اللجان العديدة المشكلة والتي أوشكت على إنجاز المطلوب منها شعبياً ورسمياً، فإن البلاد مقبلة على استحقاقات ديمقراطية ستغيّر في بنية وطبيعة وأداء الحكومة، والأحزاب، ومجلس الشعب، والإدارات المحلية من خلال الانفتاح الواسع، والحوار الجريء بين فئات المجتمع وقواه الحية، ما سيعطي دفعاً جديداً للمشروع الوطني الديمقراطي الذي سيعزز بنية المجتمع والدولة ويطوّرها، ويوفر الشروط اللازمة لإطلاق هذا المشروع، وحصد نتائجه الإيجابية في أسرع وقت، فسورية هي التاريخ العريق، ومسؤولية شعبها وطنية دائماً وأكثر. هذا الشعب الذي لن يسامح أدوات التجييش والتجنيد والفتنة.