إرادة الإصلاح والتغيير
د. عبد اللطيف عمران
ينهض الآن في سورية بقوة وسرعة المشروع الوطني الديمقراطي للإصلاح والتغيير بوعي تام لمقتضيات الظروف التي تعيشها البلاد، وبالتزام مسؤول عن مصالح الشعب وحقوق الأمة.
ونهوض هذا المشروع ليس انعكاساً مباشراً للأحداث الراهنة كما يُظن، بل هو في صلب توجهات القيادة السياسية منذ زمن، وقد حالت أمور معروفة فيما مضى دون تحقيقه في الزمن المنشود لأن مسار الإصلاح والتغيير غالباً ما يدخل في عملية معقدة تتداخل فيها عدة عوامل داخلية وخارجية.
فقد نعمت البلاد بمرحلة متميزة من الاستقرار الإيجابي تحقّقت خلالها منجزات هامة لكافة فئات الشعب جرّاء عدد من التحولات الهادئة التي مكّنت أبناء العمال والفلاحين والطبقة الوسطى.. وغيرها من التحصيل المعرفي والمهني والأكاديمي والإسهام في ريادة عملية التحول، وتقدّم دور المنظمات والنقابات والأحزاب.. في توسيع دائرة المشاركة في صنع القرار، وفي صياغة التوجهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتم ذلك على أساس الوحدة الوطنية التي أسهمت في أن تأخذ سورية دورها ووزنها الوطني والعربي والإقليمي المتميز.
وفي واقع عربي راهن سِمته الأهم اللا استقرار والتغيير والتحول والغموض في بعض الجوانب، تظهر سورية اليوم بقيادة الرئيس الأسد قادرة بقوة ووعي على قيادة عملية التحوّل، وإعادة تشكيل البنى السياسية والحزبية والإدارية والقانونية، وفق رؤية واضحة بأبعادها الوطنية، والديمقراطية، والإصلاحية، بل هي الأقدر في فترة التغيير الواضح والطارئ في بنية النظام الرسمي العربي الذي يمرّ بعضه في طور التشكيل الجديد، هذا الطور الذي سينعكس أثره أيضاً في بنية المجتمعات العربية.
إننا اليوم أمام مشروع وطني حقيقي ينسجم مع التحولات الإيجابية في الواقع، وهو مشروع عروبي في الوقت نفسه، تتطابق فيه خدمة مصالح الشعب مع قضايا الأمة. لأننا بالمقابل أمام مشروع صهيوني ثابت يعاند حركة التاريخ، وتستمر فيه سياسة الاحتلال والاستيطان والعدوان، يعيش في مرحلة ثبات جيوسياسي منقطع عن التحولات. ومع ثبات هذا المشروع واستمرار مخاطره يجب أن ننظر جميعاً الى أهمية توافر مقومات المعركة الحقيقية، وألّا نتساهل مع أي مخطط يوهن عزيمة الشعب، ويضعف مقدرات البلاد ومؤسساتها، ويعبث بأرواح المواطنين، ويحطّم الممتلكات العامة والخاصة، ويصدّع اللحمة الوطنية، لأن مثل هذه المخططات والأعمال لا تخدم، ولا تصدر إلّا عن الحاقدين على الشعب والأمة.
وكما هو واضح الآن فإن البلاد مقبلة على متغيرات إيجابية تطال الحياة العامة بكافة مناحيها، من خلال حوار هادف اضطلع بمهامه حتى السيد الرئيس عبر سلسلة لقاءات مباشرة مع فعاليات شعبية وسياسية ودينية ومناطقية.. وهو حوار ذو طابع وطني ديمقراطي يقبل الاختلاف، والرأي والرأي الآخر، ويتيح للجميع فرصة التعبير عن الرأي والهدف، منطلق من تهيئة مناخ الحرية والسلم الأهلي والأمن الاجتماعي، ستتبدّد معه مظاهر السطو على آمال الشعب، وترويع الآمنين ونوايا تعطيل الحياة العامة في البلاد، بقوة الشعب والدولة والمنظمات والنقابات، وسائر فعاليات المجتمع الأهلي.
فقد كثرت الكتابات مؤخراً حول الثورات والفتنة، والواقع يبرهن أن ما قامت به عصابات الفوضى والإجرام يهدف الى اختطاف إرادة الشعب ومصالحه، كما يهدف الى عرقلة مشروع الإصلاح والتغيير، وإلى إحباط أي مشروع سلمي وطني يطوّر العلاقة بين الدولة والمجتمع، فصار واضحاً أن أحداث الشغب والعبث والإجرام صدى للأبواق، وللاستهداف الخارجي الحاضر في وسائل الإعلام المستحدثة، تلك الوسائل التي تتمسك برسالتها الهدّامة ومنطقها التحريضي العفن بشكل تقليدي، في وقت يمضي فيه الإصلاح والتغيير في سورية.