ليس غريباً…
د. عبد اللطيف عمران
ليس غريباً أن تفكر القيادة السورية، وهي تواجه جملة من التحديات والمخاطر، بمعالجة أوضاع أبناء الوطن المغرّر بهم، الذين دُفِعوا ليكونوا وقود فتنة تستهدف ما تعتزّ به سورية، وتتميز عن سواها، وهو العيش المشترك في ظلال المحبة والتسامح والعطاء والوحدة الوطنية التي تسامت دائماً وترسّخت وتعززت وتطورت مع الأيام لينعم بها شعبها والأشقاء الذين قصدوا سورية فاحتضنتهم أخوة كرام من العراق ولبنان وفلسطين..
ففي الظرف الحرج كان اهتمام الحكومة بالحفاظ على حياة المواطنين وتعزيز الأمن والاستقرار والوحدة الوطنية، فأصدرت وزارة الداخلية بلاغاً يهيب بالإخوة المواطنين ممن غُرّر بهم وشاركوا أو قاموا بأعمال يعاقب عليها القانون المبادرة الى تسليم أنفسهم وأسلحتهم الى السلطات المختصة ليصار الى إعفائهم من العقاب والتبعات القانونية.
هذا الموقف الوطني القوي يصدر عن إرادة وإدارة تتمثل توجهات الرئيس الأسد التي تنطلق دائماً من مبادئ وثوابت مبنية على ثنائية الحكمة والحزم في الحفاظ على مصالح الشعب والوطن وحقوق الأمة وكرامتها، ولذلك فليس غريباً أيضاً أن تترفع سورية، وتتعالى على الجراح في النظر الى أخطاء من طعن في الظهر من الأشقاء وغيرهم ممن التبس عليهم الأمر وظنوا أن شعب سورية ينقصه الوعي والالتزام بمصالحه وحقوقه وواجباته الأخلاقية والوطنية والقومية.
وشعب سورية وقيادتها يدركون تماماً النسق الاجتماعي والسياسي للظروف التي تعيشها البلاد، وخصوصية هذه الظروف الصعبة منذ عقد من الزمن، حيث اعترضت وعرقلت وأخّرت عملية الإصلاح والتغيير تحديات إقليمية عديدة، وعوامل ذاتية وموضوعية تم الحديث عنها بشجاعة ووضوح، حيث لم تكن سورية نصيراً لسياسات الغرب في المنطقة، وبقيت ملتزمة بسياسات وطنية وعروبية وإقليمية تدعم الحقوق والتكامل والتعاون، ولم تستجب لخلاصة رأي مستشاري مجلس الأمن القومي الأمريكي التي عبّر عنها وزير الخارجية الأمريكي الأسبق كإملاءات رفضتها سورية، وأعادت التأكيد عليها وكيلة البنتاغون مؤخراً بصيغة أشد اختلافاً مع ثوابتنا ومصالحنا وحقوقنا، رفضاً تخرج معه دائماً أقوى.
واليوم تنطلق عملية الإصلاح والتغيير الديمقراطية من أفق يستشرف حاجات وتطلعات الداخل الوطنية أولاً، باحترام شديد، وحوار وطني راهن وقادم، على كافة المستويات، وقد بدأت من الاعتراف المسؤول بالمطالب المحقّة للمتظاهرين اقتراناً مع مستلزمات الأمن الوطني الضرورية لمتابعة عملية الإصلاح، والنظر الى ذلك على أنه ليس مطالب خارجية حتى يتم التعامل معها وفق رؤية الخارج، ومؤسسات المجتمع الدولي التي تئن تحت وطأة الهيمنة وازدواجية المعايير.
فلم ولن يتم الالتفاف على الرأي العام المسيّس العقلاني والموضوعي المستنير، الذي لم تُنزع عنه صفة الشرعية، انطلاقاً من قاسم مشترك هو أن كلا الطرفين يريد التغيير، وهنا تبرز الحاجة الى استدعاء وحضور المسؤولية الأخلاقية والوطنية اللازمة لتهيئة مناخ الحوار الوطني الفاعل خلال الاستحقاقات الديمقراطية القادمة، والتي تحتاج الى نشر التوعية، وإيقاظ الضمير الوطني، حتى لا يكون بعض المواطنين أداة وضحيّة أمام من يعملون على إسقاط الخطاب الوطني التحرري المستنير الذي جميعنا أحوج ما نكون إليه الآن. والذي تجمعت عدة عناصر لنسفه، وافتعال أزمة تستدعي التنبيه الى خطر الرؤية التي تقترن بـ«لو».
وستتغلب سورية شعبياً ورسمياً على التخريب والفتنة التي سيخبو وقودها ويندحر، لتنتصر بقيادة الرئيس بشار الأسد إرادة الشعب ووعيه وتطلعاته.