ســـــورية وتركــــــيا ما لم يُقَل في الـ B.B.C
د. عبد اللطيف عمران
تتميز السياسة التركية اليوم تجاه قضايا المنطقة، وسورية خصوصاً، بالديناميكية والبراغماتية والتجدد، آخذة بالحسبان مجمل التطورات الإقليمية والدولية، فمنذ أكثر من عقد من الزمن بدأت تركيا تسعى لدور جديد في توجهاتها السياسية والاقتصادية ولاسيما في المجالين العربي والإسلامي، ولاقى هذا السعي ترحيباً، وكذلك كان الأمر مع نظرية «العمق الاستراتيجي» لوزير خارجيتها. وكانت سورية في طليعة المدركين والمرحبين بهذا التحوّل، وسجّل الرئيس بشار الأسد ريادة مشهودة في هذا المجال.
فمنذ عام 1998 أعرب اسماعيل جيم وزير خارجية تركيا عن رغبة بلاده في تطوير العلاقات مع سورية على كافة المستويات، وتم توقيع اتفاقية أضنة بين البلدين، وفيما بعد تم تطوير هذه الاتفاقية في سنتي 2009-2٠10 بما يناسب الرغبة المتزايدة لتطوير العلاقات بين الدولتين والشعبين.
ومع عام 2000 بدأت العلاقات الجيدة تتسارع وكان إسهام الرئيس أحمد نجدت سيزر واضحاً على الرغم من انتقاد السفير الأمريكي في أنقرة.. ووصلت هذه العلاقات الى مرحلة التعاون الاستراتيجي التي توّجت بزيارة الرئيس الأسد الى تركيا في 2004، وفي عام 2009 تم إلغاء تأشيرة الدخول بين البلدين، وكان يوم 16/9/2009 مشهوداً حين تم الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي عالي المستوى، وإقرار توصيات وقرارات، وتوقيع 51 اتفاقية في غاية الأهمية، وفي 2010 تطوّر التبادل التجاري بين البلدين بشكل كبير وغير مسبوق.
ولم يكن البناء رسمياً فقط، بل تحقق له الدعم الشعبي اللازم، فزاد تبادل الزيارات والوفود على كافة المستويات، ثم جاءت الأحداث الأخيرة التي تعيشها سورية منذ ثلاثة أشهر، والحملة الانتخابية التي تنافست فيها الأحزاب التركية، وحقق فيها الحزب الحاكم نجاحاً للمرة الثالثة، نباركه لأصدقائنا، ونأمل أن ينعكس هذا النجاح مزيداً من التطور والازدهار والاستقرار للشعب التركي الصديق، وتحسّناً في العلاقات بين سورية وتركيا.
واليوم يتفهّم السوريون التصريحات الأخيرة للمسؤولين الأتراك التي عبّروا خلالها عن بعض الملاحظات حول الأحداث الأخيرة، وهم لا ينسون ظروف الانتخابات.. وعلاقات تركيا مع الناتو، وسعيها للانضمام الى الاتحاد الأوروبي، ولايزالون حريصين على استمرار التعاون والتنسيق، ويعوّلون كثيراً على عمق العلاقات وتطويرها، ويتطلعون الى تصريحات رسمية تمحو أسباب إشارات الاستفهام، وحساسية المشاعر المثارة في الشارع السوري…؟! لترسيخ ما تم البناء عليه رسمياً وشعبياً، انطلاقاً من أن كل ما ورد من حديث بشأن الإصلاح هو هم وطني سوري أساساً، وهو يمضي وفق برنامج يسير بدقة وزمن مدروس مرتبط بمصالح شعبنا وهمومه وتطلعاته، دون أن يؤدي هذا الى أزمة بين البلدين، فلطالما بذلت سورية جهوداً في ترسيخ التكامل الإقليمي، وكانت وستبقى عامل استقرار في أمن المنطقة وازدهارها.
واختصاراً لتشعبات الحديث عن الأحداث المؤلمة التي تشهدها سورية الآن، فإننا نؤكد ثانية ما عبّر عنه الرئيس الأسد منذ البداية من «مشاعر الحزن والأسف على الأحداث وضحاياها من إخوتنا وأبنائنا.. وستبقى مسؤوليتي عن السهر على أمن هذا الوطن، وضمان استقراره الشعور الملحّ الحاضر في نفسي.. ولا نستطيع أن نقول إن كل من خرج متآمر، هذا الكلام غير صحيح، نريد أن نكون واقعيين.. فالدماء التي نزفت هي دماء سورية، والضحايا هم إخوتنا، ومن الضروري أن نبحث عن الأسباب والمسببين ونحقق ونحاسب». فهذا كلام مهم وواضح تنتفي معه الحاجة للتدخل الخارجي الذي بيّن أساليبه ومخاطره ما نُشر مؤخراً في الواشنطن بوست، والنيويورك تايمز، والغارديان، وحديث رولان دوما وزير خارجية فرنسا السابق، حيث يظهر معها الخلفيات الظالمة لحملة التشويش والتحريض والافتراء التي تعيق تواصل الجهود الحثيثة التي تبذلها سورية لتقدّم الحل السياسي للأزمة، فهؤلاء بأساليبهم المشبوهة يستدعون الحل العسكري ويقدمونه على الحل السياسي، ولن يفلحوا لا في هذا ولا في غيره.
وإذ تقدّر صحيفة البعث لـ B.B.C إتاحة الفرصة لها للتعبير عما ذكر أعلاه في برنامج «أجندة مفتوحة»، فإنها تعتذر عن المشاركة في الحلقة الأخيرة للبس حصل في وجود محاوِر وحيد في الاستديو تبرّأ منه ذووه وأبناء شعبه ووطنه، ومثله قليل ومعدود على الأصابع، فمسيرة الإصلاح والوحدة الوطنية ستستمر في سورية، وستبقى سورية، بتلاحم شعبها وجيشها الوطني حريصة على مصالح شعبها وأمتها، تواصل الجهود لتطوير علاقات الصداقة والتعاون والتكامل مع الأشقاء والأصدقاء.