الحوار… العوامل الداخلية والخارجية
د. عبد اللطيف عمران
تبيّن حيوية المجتمع العربي السوري بعراقته وأصالته أن الحوار فيه ليس حالة طارئة، إذ لا ينقطع العامل والفلاح والمهني والمثقف عن التفاعل مع السياسة الداخلية والخارجية، ولا وجود فيه لفرد أو لجماعة مستقلة حيادية بالمعنى الدقيق للكلمة، فقد ساعدت الظروف التي تعيشها الأمة على ترسيخ هذه الظاهرة.
وإنما الحوار الراهن يعالج اليوم أزمة طارئة، معالجة على مستوى الجدية والمسؤولية والوعي، تنبع من ضرورة داخلية تداعت إليها بالتزام وطني أطياف متنوعة من القوى السياسية والاجتماعية والفكرية إدراكاً تاريخياً منها لأهمية الحل الداخلي للأزمة التي تمرّ بها البلاد.
لذلك يغدو دعم هذا الحوار وتطويره والانخراط فيه رداً على المشككين والمراهنين على دعم الخارج، وفوضى الداخل، في وقت لايزال فيه الحذر يراود السوريين من استخدام كلمة «مؤامرة» لأنهم ينظرون بموضوعية شعبياً ورسمياً الى المطالب المحقّة، والى غير قليل من الأخطاء التي كان من الضروري تجنّبها.
فالحديث عن المؤامرة ليس تهرباً من قصور العامل الذاتي، لأن المؤامرة حقيقة واقعية في التاريخ السياسي للمنطقة. كما أن التدخل الخارجي ظاهرة لم تنقطع في التاريخ العربي المعاصر.
وهناك اليوم، ومع معطيات الحداثة وثورة الاتصالات، أنواع متجددة لهذا التدخل، ولاستدعاء مأجور معاصر الى مراكز الغرب الجيوسياسي، يقابله انخراط المركزية الغربية في تدخل مشوّه وملتبس في المشهد التغييري الذي تعيشه الدولة الوطنية العربية في وقت تقبل فيه هذه الدولة التي أنجزت الاستقلال الوطني الحديث، على متغيّر في مفهومها وبنيتها ووظيفتها.
ومع التردد في التركيز على العامل الخارجي لا يمكن مثلاً نكران الهدف من التصريحات الفرنسية الأخيرة حول الشأن الليبي، ولا الهدف من زيارة سفيري الولايات المتحدة وفرنسا الى حماة، ولا لقاء السان جرمان الصهيوني الليكودي في باريس، ولايمكن نسيان مانشرته صحيفة الأهرام في صفحتها الأولى في عدد 13/6/2011 من صورة وخبر عن اعتقال الضابط الاسرائيلي إيلان جرابيل الذي «شارك في الثورة للوقيعة بين الجيش والشعب، ودخل المساجد وخطب فيها محرضاً على التخريب والشغب، بعد أن شارك في الحرب على لبنان 2006 وأصيب فيها» وقد نشرت الصحيفة صورته وهو يعتلي محراب أحد مساجد القاهرة ويخطب فيها.
لذلك تعترض الحوار الوطني في سورية، وفي غيرها، تحديات عديدة، لابد أن تأخذها القوى الوطنية بالحسبان ومنها:
– ضرورة الحفاظ على المٌنجز من الوحدة المجتمعية والوطنية والشعور القومي، فهناك محاولات لتذرير المجتمع الوطني، والعربي وتفكيكه بدعاوى الحداثة والمتغيرات.
– الرهان على تضافر دور القوى الوطنية في التشكيل الجديد للمجتمع والدولة والسلطة، انطلاقاً من إدراك أن المرحلة الراهنة تتطلب تماسك المجتمع، وقوة الدولة، وأن إقبال السلطة ورغبتها في الحوار مع نفسها ومع المعارضة وانفتاحها على تجارب الإصلاح ومضيّها فيه هو عامل إيجابي ينبغي دعمه لمصلحة وطنية واضح أنها مشتركة.
– إن الغرب سيكون بالمرصاد للبنيان الجديد للدولة الوطنية، فهو الذي يستمر في التدخل، ويعرقل أسس السلام والاستقرار والعدالة في المنطقة بدعمه من يتنكر لقرارات الشرعية الدولية.
– عدم نسيان الدور الهدّام للتنظيمات الإرهابية المسلحة، وعدم التساهل واقعياً وتاريخياً مع قطّاع الطرق ومن قتل ومثّل بالجثث وخزّن الأسلحة وخرّب.. وزوّر الحقائق على أنه يتصدى للحل الأمني، في وقت معروف فيه أن الدولة تجتهد لترسيخ الحوار والأمن الجماعي والاجتماعي، والانتقال السلمي الى واقع أفضل.
– عدم التسرّع في الرهان على أن تجربة الديمقراطية والإصلاح ستفضي الى حلول سحرية لواقع صعب تختلط فيه التحديات الخارجية بالداخلية، فقد مضى زمن على استمرار الاحتلال والعدوان والتدخل، وعلى الحصار السياسي والاقتصادي، ومحاولة فرض حلول على الدولة ليست في مصلحة الشعب والأمة، فالسلطة الوطنية العربية أياً كانت ستجد نفسها مجبرة على تبنّي استراتيجيات تنطلق من سياسات مفروضة عليها بسبب أوضاع وأعباء سابقة. وهذا إشكال مستقبلي سيطال الجميع.
ولأن شعب سورية يدرك هذه الحقائق، لانطلاقه دائماً من وعي حقوق الأمة ومصالح الشعب وقضاياه الكبرى، فهو لن ينسى أبداً المواقف الإيجابية العديدة في تاريخه المعاصر، ولن ينسحب من تاريخ مشرّف أدت فيه سورية دوراً وطنياً وقومياً مشهوداً، ولا من مسؤولية واقعية ومستقبلية منطلقها البنيان الوطني العروبي التقدمي..