قانون الأحزاب نحو عقد اجتماعي جديد
د. عبد اللطيف عمران
عرفت الحياة السياسية في سورية عقداً اجتماعياً متميزاً في مرحلة تاريخية لها خصوصيتها، كان ذلك مع إقرار التعددية الحزبية، وصدور ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية في 7/3/1972. إلا أن ذلك الميثاق كان عقداً وطنياً يغلب فيه السياسي على الاجتماعي في ظل ظروف تختلف كثيراً عن الواقع الراهن.
وبعد ذلك حدثت متغيرات محلية وإقليمية ودولية كانت تتطلب كثيراً من الحديث القائم على ضرورة المراجعة والنقد والتقويم، لكن الميثاق بقي دون إعادة نظر رغم حدوث خمسة متغيرات أساسية في البنية التنظيمية للجبهة.. مع بروز تأثيرات واضحة لأدبيات واستراتيجيات الخطاب العولمي المهيمن، ومافرضه هذا الخطاب من ممارسات وسياسات، ولاسيما في الجانب الاقتصادي، ليس محلياً فحسب بل على المستوى الدولي.
هذه المتغيرات، وصولاً الى مانعيشه اليوم، تتطلب من الأحزاب «القديمة» إعادة النظر في استراتيجيتها وبنيتها، ولاسيما في صلتها بالجماهير كي تستمر في قدرتها على التعبئة حول برامجها وطرحها السياسي. مستفيدة من أن الأحزاب «الجديدة» ستحتاج الى مدة زمنية ليست بالقصيرة، لتؤكد حضورها، ومصداقيتها، وقدرتها على المشاركة في البناء الوطني، وعلى النجاح في العملية الانتخابية. ويبقى الوطن والشعب هما الغاية، والأهم من القديمة والجديدة، والمصلحة الوطنية هي المعيار والهدف.
وفي هذا السياق يأتي اليوم قانون الأحزاب طرحاً استراتيجياً، يستجيب للمتطلبات الموضوعية والوطنية، وينطلق من أن الديمقراطية ليست فقط نظاماً للحكم، بل هي ثقافة وممارسة اجتماعية وسياسية تتطوران بالتدريج، وتترسخان عبر السنين.
ومع عدم الحاجة لبناء كل شيء من الصفر، إلا أن القانون – وكما هو واضح – لم ينطلق من فرضيات وتصورات مسبقة، فلا إشارة فيه الى مايمكن البناء عليه بالضرورة من مواثيق سياسية أو دستورية سابقة كدستور حزب البعث أو الدستور الدائم للبلاد، أو ميثاق الجبهة الوطنية التقدمية.
فقد غابت عنه الشروط والأدبيات والاستراتيجيات المستقرّة عند جماهير القوى الوطنية والتقدمية، مثل «المشروع أو الشعور القومي، الأمة العربية، التقدم، الاشتراكية، الطبقات..» ويبدو هذا الغياب مرتبطاً بالثقة بتاريخنا الحضاري، وبشعورنا الجمعي الوطني والعروبي الأصيل، وباحترام جماهير الشعب للمنجز السياسي والاجتماعي في تاريخنا المعاصر على المستويات المحلية والعربية والإقليمية والدولية.
فالقيادة السياسية في سورية ليست حركة تحرر وصلت الى الحكم حديثاً، والمجتمع السوري ليس أرضاً بكراً، ودور سورية مشهود ولايتجاهله الوطنيون، والعروبيون وأحرار العالم، وللبعث فيه تاريخ نضالي واضح المعالم لا تمحوه الأيام، بل ستوطّد حضوره، وقدرته على التجدد والتكيّف مع المتغيرات والثوابت.
فالبعث رؤية وفكر وهدف، وعلاقته بالسلطة عبء وليس امتيازاً، ولن يضيره فتح أبواب هذه العلاقة أمام الأحزاب والقوى السياسية السابقة واللاحقة لتعرف أن المرّ هنا أكثر من الحلو، لكن من المعروف أن تأسيس الحزب وتطويره وتأكيد حضوره أمر صعب تطّلب في أغلب الأحيان شخصيات تتوافر فيها صفة القائد التاريخي على نحو مانجد من صلات بين الأحزاب والشخصيات «حافظ الأسد، عبد الناصر، بورقيبة، بومدين، ماو، غاندي، تيتو، مانديلا…».
لذلك فأجيال اليوم أمام رهان كبير، ولنا في شعوب أوروبا الشرقية، وفيما يجري في مصر وتونس خير دليل، ولاسيما أن هناك الآن نظريات مغرضة تطلب من أطياف المشهد الاحتجاجي عدم الإفصاح عما تريد، والاكتفاء بالتصريح عما لاتريده ويأتي هذا في سياق تكتيك مرتبط بالثورات المخملية، وبنظريات الهدم والإطاحة والعصيان المدني وصولاً الى الدمار والتخريب.
وسورية شعباً وقيادة تعرف جيداً هذا، ودائماً تدرك وتتمسك بالمصلحة الوطنية، وبأهم شروطها: الديمقراطية والوحدة الوطنية.. وهما أهم منطلقات قانون الأحزاب الذي يعد تطوراً نوعياً في الحياة السياسية السورية الداخلية، وتأكيداً على جديّة المشروع الإصلاحي الذي سيعمّق صلة الشعب بالوطن والدولة.
ويأتي هذا القانون، مع قانون الانتخابات، ليكون حلقة في سلسلة الإصلاح المتتابعة، بما سيتيحه من تنظيم حر واسع وفاعل لطاقات الشعب لإفساح المجال أمام الفعالية الوطنية لتأخذ دورها المأمول ولاسيما المعارضة الوطنية، وهو بالمقابل سيضع المعارضة المغرضة في مأزق حرج لأنه سيعرّي ضعفها، وارتباطها بالخارج، وهذا كله واضح من المواد الخمس الأولى.