هل ينتصر المجتمع الدولي للإرهابيين؟
د. عبد اللطيف عمران
مفهوم المجتمع الدولي مطاط، متبدّل، ولاسيما بعد الانتقال بين فترات الحرب الباردة، والتوازن الدولي، والهيمنة والتفرد، وسيطرة المركزية الغربية على المنظمة الدولية، وانتقال هذه السيطرة الى الناتو، على نحو ماحدث في العراق وأفغانستان وليبيا.. وما نجم عن ذلك من تحطيم للدولة، وتشويه لإرادة الشعب ووحدته، وتوالد مستمر لأزمات يصعب تشخيصها.
وعلى الرغم من المتغيرات البراغماتية في سياسات المجتمع الدولي، ومن التغيرات في هيكل النظام الدولي، وسياسات القوى الكبرى ولاسيما تجاه القضايا العربية، فإن العرب لم يظهروا لاعبين أساسيين حتى تجاه قضاياهم المصيرية. لذلك يدفعون اليوم ثمن تفرقهم، وانخراط بعضهم في استراتيجيات تخدم مصالح الغرب في المنطقة.
وللعرب تجربة مريرة مع المجتمع الدولي، أكدتها الأحداث المعاصرة، وكذلك مع قرارات الشرعية الدولية، حيث العجز المستمر تجاه سياسات الاحتلال والاستيطان والعدوان الصهيونية، ما أدى إلى حدوث فراغ تعبوي عروبي تسده عواصم الغرب بما يتصل بالفوضى الخلاقة.
واليوم يواجه هذا المجتمع أزمات حادة متتالية ذات أبعاد اقتصادية واجتماعية تضعف الثقة بدوره السياسي، وبحضوره المبدئي، وينعكس هذا سلباً على من يراهن عليه، والمثال الأقوى لهذا الانعكاس السلبي هو مايعيشه العرب كأمة، ودول، وشعب، بعد أن ظهرت بوضوح الأهداف والمنطلقات النيوكولونيالية للغرب، والتي تعمد المركزية الغربية الى تغطيتها بشعارات إنسانية من حيث الظاهر، لكنها في الحقيقة تتناقض مع مصالح الشعوب وحريتها وإرادتها، ولا تهدف الى حل المشكلات الراهنة، بل الى تصعيدها، والى تسخير المجتمع الدولي، والمنظمة الدولية ليكونا طرفاً في تصعيد الأزمة وصولاً الى التدويل والتدخل، ودعم الفوضى والاقتتال والدمار.. الى التفتيت والتقسيم الجغرافي والاجتماعي.
وهذا لن يقود الى الاستسلام أمام مركزية الغرب الجيوسياسي، فهناك متغيّر واضح ومهم في هذا المجتمع، وفي بنية النظام الدولي، ويتمثل ذلك في تنامي أدوار روسيا والصين والهند والبرازيل.. وعدد من الدول الأخرى حيث يزداد الوعي العالمي بمخاطر السياسات الاستعمارية الجديدة التي تريد تصدير أزماتها الاقتصادية والاجتماعية، وأهمها نمو شبكات اليمين المتطرف فيها، الى شعوب العالم الثالث، ومن أبرزها البلدان العربية، حيث يزداد التدخل. وللأسف فإن هذا التدخل يحقق مرحلياً بعض أهدافه المباشرة وغير المباشرة.
إن المساعي الغربية والجهود المبذولة تجاه العرب ليست بعيدة عن مبدأ تصفية الحسابات، وهي سياسات تجدّد نفسها منذ اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور، وتهدف الى تدمير مفهوم الأمة، والدولة أيضاً عند العرب، فإذا نجحت هذه المساعي فلن تجد عند العرب، لا أمة، ولا دولة، بل كيانات مؤهلة باستمرار للانفجار الاجتماعي، والاقتتال، والخراب والدمار، مع الحفاظ بالمقابل على الكيان الصهيوني كدولة وأمة وشعب.
ومن هذا القبيل يأتي التدخل الغربي في الظروف التي تشهدها سورية اليوم، سورية التي طالما شكلت بوحدة شعبها وقيادتها السياسية وجيشها الوطني العروبي عقبة أساسية أمام السياسات الغربية والصهيونية في المنطقة.
فمتى كان الغرب نصير التحرر والاستقلال والاستقرار والازدهار في سورية، وفي غيرها من البلدان العربية؟! وهو الذي يستمر في دعم الاحتلال والاستيطان والاقتتال الداخلي، وينحاز اليوم عمداً الى أعمال التخريب والإرهاب والتمثيل بالجثث ودمار المؤسسات العامة والخاصة. إنها ازدواجية المعايير، السياسة المألوفة والمعروفة.
واليوم يقف الغرب عائقاً أمام مسيرة الإصلاح الوطني الشامل، ويسيء قصداً الى الجهود الوطنية المشروعة التي يبذلها الجيش لإعادة الأمن والاستقرار الى كافة ربوع الوطن، والى التصدي للأعمال الإجرامية للتنظيمات الإرهابية المسلحة التي أسرفت في الإجرام والتدمير والتخريب، وهي تنظيمات باتت مكشوفة الدعم والأهداف، تعمل بعض أطراف «المجتمع الدولي» الى تغطية جرائمها، والى دعمها في وجه المشروع الإصلاحي الوطني الديمقراطي.
وبالأمس قالت مراسلة CNN أن الصور الواضحة للأعمال الوحشية التي قام بها الإرهابيون في حماة يجب أن تغيّر التصوّر عن الأوضاع ليس في سورية فحسب، بل في أحداث المنطقة كافة.
وجيشنا العقائدي البطل سينجح في مهامه الوطنية لأنه لا يتشكل فقط من قواتنا المسلحة بل من كافة قوى الشعب الوطنية الروحية والتقدمية، ومن الجيش الإلكتروني، ومن الأحزاب والمنظمات والنقابات التي تعي جميعها المصلحة الوطنية، وتستلهم المبادئ والتوجهات القوية والسديدة في كلمة الرئيس الأسد في عيد الجيش من أننا:
«على يقين تام بأن تمسكنا بثوابتنا الوطنية والقومية يزيد حقد الأعداء علينا، ونحن قادرون بوعي شعبنا وبوحدتنا الوطنية أن نسقط هذا الفصل الجديد من المؤامرة.. وسنترك صنّاع الحروب وتجّار الدم يجترون مرارة الهزيمة والخيبة والخذلان.. وجميع أبناء سورية الشرفاء على يقين بأننا سنخرج من الأزمة أشد قوة، وأكثر حضوراً إقليمياً ودولياً.