العصابات البائسة.. لمــاذا الرهــان عليهـــــا؟
د. عبد اللطيف عمران
لاشك في أن التاريخ يكرر نفسه في مواقف ومراحل عديدة، وصحيح أنه من الصعب أن يُنظر اليوم الى الغرب كظواهر جيوسياسية مطلقة. لكن الوقائع في التاريخ الحديث تبيّن الى حد بعيد أن استراتيجية الغرب قليلة التبدل في منطقتنا على الرغم من تبدل أنظمة الحكم عند الطرفين في الماضي القريب، وفي الحاضر.
فما يزال الغرب الجيوسياسي يمثل الى الآن مرحلة الانتقال من الاستعمار كعملية نهب مباشرة، الى مرحلة الهيمنة والتفرد الامبريالية المعولمة بما تنطوي عليه من مكونات سياسية واقتصادية تلعب بالمفاهيم والقيم الثقافية والاجتماعية عن طريق الاستتباع والإلحاق، حيث الشهوة مستمرة الى الثروة والغزو والتدخل. ولنا في مفارقات الواقع العربي، فيما هو عليه الحال، في الدول الرئاسية والدول الملكية دليل يثير كثيراً من الملاحظات…
وتستدعي نظرية داود أوغلو في كتابه «العمق الاستراتيجي» كثيراً من الملاحظات حول التناقض بين المبدأ والتطبيق، ولاسيما في بحثه في معادلة القوة وعناصرها من معطيات ثابتة، ومعطيات متغيّرة، خاصة حين يخلص الى نتيجة مفادها «إن ساحات الصراع الجيوسياسي الدولي والإقليمي تعكس الفروق بين مسافات السيادة، وبين ساحات الترابط الداخلي» فكيف يكون الحال إذاً في واجب الدولة الوطنية السورية، انطلاقاً من مفهوم السيادة والحرص على الترابط الداخلي، إزاء ماتقترفه في الواقع الحقيقي عصابات الفتنة والقتل والتخريب؟
والنظرية المهمة يجب ألاّ تقع في أحادية الرؤية، ولا تحت ازدواجية المعايير.
هذا التناقض يقع اليوم فيه كثيرون من الداخل والخارج تجاه مايجري في سورية، فما يزال المشهد الاحتجاجي العربي يشكّل تحدّياً سياسياً واجتماعياً لاستحالة تصنيفه، وتوصيفه، ووضعه في نسق حركات التغيير الهادفة، وضياعه بين الثورة والثورة المضادة، ولصعوبة استشراف النتائج، صعوبةً مقصودةً لذاتها، لم تأت من فراغ، فالهدف منذ زمن هو «الفوضى الخلاقة» التي تؤدي إلى ضعف مكونات الدولة الوطنية، وإلى تراخي الشعور الجمعي، وضياع الأفراد والمجتمع والمنظمات والأحزاب، ضياعاً يسهل معه التدخل وإعادة التركيب وفق ما تفرزه الفوضى من قوى ومصالح جيوسياسية جديدة، ولا شك في أن حضور الغرب، ومن يسير في فلكه إقليمياً، سيكون في البداية قوياً، لتدخل بعدها الجماهير العربية في صراع قادمٍ يشبه صراعاً مضى لحركة التحرر الوطني العربية.
من هذا المنطلق يمكن النظر واقعياً إلى أعمال، وأدوات، وأهداف العصابات الإجرامية المسلحة في سورية، فبالرغم من مظاهر افتقادها إلى التنظيم، والإيديولوجية، وإحراجها للمجتمع والدولة، وللمعارضة الوطنية، وخروجها عن «القيم والأخلاق والدين» إلا أنها وللأسف نالت اهتماماً وتنويهاً من المغرضين في الداخل والخارج.
هذه العصابات التائهة بين الوسيلة والهدف، بين الداخل والخارج، والتي شوّهت رغبة السوريين في التحولات السياسية والاجتماعية الهادئة والهادفة، شكلت واقعياً نزاعاً دموياً – يجب أن تحاسب عليه اليوم وغداً – بين الدولة الوطنية، والتحالف المضاد لمصالح شعبنا وقضايا أمتنا المتمثل في رؤية الغرب ومؤيديه في المنطقة، يؤكد هذا انكشاف عدد من الحقائق، أهمها..
– تشكّلها من جماعات غير منضبطة اجتماعياً وأخلاقياً وإنسانياً وقانونياً، واتباعها أبشع الوسائل عن طريق الإرهاب المسلح.
– رعب المواطنين الآمنين المسبق من جرائمها، ما دفعهم إلى مغادرة أحيائهم، ومطالبة الجيش بالتدخل، وعودة هؤلاء المواطنين إلى أحيائهم بعد نجاح مهمة الجيش الوطني، يؤكد هذا التفاعل الإنساني الواقعي بين الجيش والمواطنين.
– تعاون المواطنين مع الجيش في المناطق المتوترة للتصدي للمجموعات الإرهابية ومطاردتها، وتصريح المواطنين الواضح بهذا.
– اجتهاد محطات التحريض، والدوائر الداعمة إقليمياً لصنع القرار المضاد، في الانتصار لهذه العصابات، والرهان عليها لإفشال المشروع الإصلاحي، وللإساءة إلى الدولة الوطنية، وإلى القيادة السياسية، وإلى مبادئ وثوابت سورية العروبة.
هذا الاجتهاد التحريضي المزوّر يتصاعد طرداً مع انكشاف الحقائق، وهذا واقع نعيشه يومياً.
وحقيقة فهذه العصابات ستُحرج بجرائمها كل من لم يبادر الى إدانتها، ويتغافل عن جرائمها الواقعية محلياً وإقليمياً ودولياً، لأنهم انطلقوا من موقف مراوغ أحادي الرؤية.
فلا بد من التنديد بهذه العصابات، ومن حصارها وعزلها، اجتماعياً خاصة، «كيلا يكون أمامها فرصة قادمة في تبديل وسائلها».
وسيفشل الرهان عليها، وسينتصر تلاحم الشعب والجيش، وإرادة الوطن ووحدته بقيادة الرئيس الأسد.