المعارضة.. والأمن الوطني والعـربي
د. عبد اللطيف عمران
كانت سورية وستبقى مركز الفكر والعمل العروبي، وقد نهضت بهذا الهم في الماضي، فكانت الحصن الأقوى للدولة العربية والإسلامية في حدودها الشمالية والغربية، وهي اليوم – ولا شك – قلب العروبة، والمعضلة الكبرى الباقية أمام سياسات الغرب، والتي لن تمكّنه وأزلامه من اللعب على هواه بالمنطقة.
وهذه البدهية الواضحة جعلتها تربط تلقائياً بين أمنها الوطني والأمن القومي، ماأدى الى استمرار استهدافها التاريخي والمعاصر، وهي بثقلها اليوم تمتلك أوراقاً قوية يعرفها الجميع، ويعرفون – بالمحصلة – أنها الصخرة التي ستتحطم عليها المخططات والمؤامرات، لأسباب عديدة أهمها ثقتها المستمرة ورهانها على شعبها، وعلى وعي الشارع العربي وعمق انتمائه، فسرعان ماستتكشف الخديعة، وتتحقق عودة الوعي.
ولا يعني هذا الطرح أنها في مجمل سياساتها معصومة عن الخطأ، وقد اعترفت به رسمياً في عدد من المسائل، وهي أمام مراجعة مستمرة له، وهذا واضح من ضخامة وتعدد وتنوع مجالات مشروعها الإصلاحي الوطني الديمقراطي، ومن حرصها ودعوتها المتكررة على ضرورة إسهام المعارضة الوطنية في هذا المشروع، إسهاماً فرعياً ومركزياً، لكن على أرض الوطن فقط، لأننا جميعاً نعرف مخاطر التدخل الأجنبي، ومخاطر المراهنين عليه والذين يعيشون في أكنافه.
ولهذا ترحّب سورية اليوم شعبياً ورسمياً بأي مشروع وطني معارض في الداخل، في وقت يعرف فيه الجميع حجم المؤامرة على القضايا الوطنية والقومية التي يضطلع بها من يتنقلون بين عواصم الحلف الأطلسي، فهؤلاء بالتأكيد لايثقون بأنفسهم ولا بشعب سورية، ويفتقدون التعاطف الداخلي، والقدرة على الحضور الوطني، ويعرفون أن الغرب يتفق معهم في الأهداف القريبة والبعيدة، فللغرب أهداف سياسية وعسكرية واقتصادية معادية لمصالح الشعب وقضايا الأمة، وعلى هؤلاء أن يكونوا أُجراء رخيصي الثمن لتحقيق هذه المصالح، لكن الغرب تاريخياً لا يحترم عملاءه، ولا يثق بمن يخون وطنه، فهم الآن ومستقبلاً مجرّد وكلاء سيُلقى بهم – كغيرهم – عاجلاً أم آجلاً على قارعة الطريق، ليعاد النظر قريباً في مسميات كثيرة منها: الربيع، الثورة، التحوّل الديمقراطي، أمن الوطن والأمة…
فلم تحقق المعارضة الخارجية يوماً حلماً وطنياً، وإذا استطاعت هذه المعارضة أحياناً أن تنتصر وتغيّر أنظمة، فانتصارها المزعوم غير مقترن بانتصار إرادة الشعب ومصالحه، بل يحتاج الأمر إلى معركة طويلة مع قوى التدخل الخارجي وعملائها الذين عبثوا ويعبثون بأمن الشعب واستقراره وتقدّمه.
إننا اليوم أمام مشروعين: داخلي وطني إصلاحي رسمي وشعبي نأمل أن يكون فيه للمعارضة الوطنية دور بناء. ومشروع خارجي غربي فيه مأجورون للغرب يعملون جاهدين على استدعاء دوره الاستعماري الجديد، وهو مشروع تأكدت لكافة القوى الوطنية في الداخل عمالته، وهدفه الرخيص، بعد أن أدرك الجميع أن الهدف الرئيسي لتأسيس ما يسمى بالمجلس الوطني هو الحصول على الدعم الخارجي، الغربي تحديداً للوصول إلى حق تمثيل سورية، وإلى تشكيل سلطة بديلة معترف بها ومؤهّلة لطلب التدخل الخارجي والحماية الدولية.
ومن هذا المنطلق طالب البيان التأسيسي لمجلس اسطنبول “المنظمات والهيئات الدولية بتحمّل مسؤولياتها تجاه الشعب السوري وحمايته عبر تفعيل مواد القانون الدولي.. وأن يكون أي تدخل حاصلاً بالاتفاق مع المجلس الوطني”، وواضح أن مثل هذه المطالب هو ما عبَرت عليه قوات الناتو إلى العراق وليبيا، ولهذا اعتبرت بعض الأطراف العربية المفرِّطة بالأمن القومي تشكيل هذا المجلس خطوة مهمة، وعملت على أن يخدم اجتماع الجامعة العربية الأخير هذا الهدف.
فالعرب أمام تحديات جسام في أمنهم الوطني والقومي، وإذا كان مشروعهم القومي اليوم تذروه الرياح، فإن الفكر والوعي العروبي باقٍ، والعرب وشعوب الشرق كافة يدركون اليوم أن الغرب يعمل لأن يكون مصير الدولة الوطنية العربية، والصين، والاتحاد الروسي، كمصير الاتحاد السوفييتي السابق، فأية معارضة هذه التي تتوسّل من الغرب حلاً وطنياً، وهما يسوغان سويةً جريمة من اعترف بالسلب والقتل والاغتصاب، وجرائم الصهيونية الكبرى، ولماذا لا يعني «الخارج» لهذه المعارضة غير دول الناتو؟!..