أزمة الحكم عالمية
د. عبد اللطيف عمران
من الواضح أن الأزمة المالية التي بدأت منذ ثلاث سنوات تضرب الغرب وأدت الى إفلاس المصارف والشركات الكبرى انتهت الى أزمة عالمية ذات طابع اقتصادي واجتماعي وسياسي أيضاً، لأنها ناتجة عن طبيعة الاقتصاد الرأسمالي المسيطر، وعن العولمة التي اقترنت بالصراعات داخل الغرب، وغيره، ضد تمركز الثروة والاحتكار والبطالة. فتحولت أزمة النظام الرأسمالي في المركز، الى أزمة العلاقات الرأسمالية في المركز، وفي الأطراف.
وقد نتج عن هذه الأزمة مزيج متعدد الألوان من الاضطراب والاحتجاج الاقتصادي والسياسي والثقافي سرعان ما انتقل من الغرب الى البلدان العربية وغيرها من البلدان النامية، وكان الانتقال ذا طابع أكثر حدة، بسبب قدرة الغرب على تصدير الأزمات، ولسبب أهم هو أن العالم الرأسمالي ارتاح من الضغوط التي كانت تمارسها عليه حركات التحرر، والأحزاب الوطنية التقدمية، والنقابات والمنظمات. ومع ذلك لم يعد الغرب اليوم قادراً على حمل عبء الرعاية الاجتماعية في بلدانه، ولا على حمل الأعباء الناتجة عن أصدقائه وعملائه، لذلك سيبحث عن ضحية تحمل معه خسارته المالية جرّاء المبالغ التي وظفّها لدعم المصارف الاحتكارية الكبرى، وبسبب الحروب التي أوقدها في المنطقة.
ومن هذه الرؤية الاستراتيجية الواقعية عملت سورية في الفترة نفسها على تعزيز الاستقرار، والتعاون والتكامل الإقليمي بين شعوب البحار الأربعة، وسيبيّن الواقع والمستقبل أهمية هذه الرؤية الاستشرافية التي عمل بعضهم على أن تذهب أدراج الرياح، وهي رؤية مقترنة بدور سورية الإقليمي، وبنهجها الوطني والعروبي الأقوى من أن تسقطه التحديات والمؤامرات.
ولهذا يكون حديث الرئيس الأسد عن أية محاولة لهز استقرار سورية ستؤدي الى زلزال كبير يضرّ بالمنطقة، ذا أهمية بالغة لا تقترن بالتحذير والتهديد قدر اقترانها بالتوصيف الجيوسياسي الدقيق واقعياً ومنطقياً «فسورية بلد له موقع خاص جداً من الناحية الجيوسياسية والتاريخية، وهي موقع التقاء مكونات الشرق الأوسط الثقافية والدينية والطائفية والعرقية…»، فالجميع يعرف أن العالم اليوم كله عرضة لاهتزازات سياسية واقتصادية واجتماعية، وخاصة هذه المنطقة من العالم التي ينعكس فيها مناخ الأزمات الدولية بشكل حاد ينتقل العمل فيه تحت شعارات مضللة لتغيير الأنظمة، الى العمل على تغييب الدولة الوطنية، وتدمير العيش المشترك والمجتمع المتماسك، وإبراز سائر الانتماءات غير الوطنية.
ونظراً الى الدور المهم الذي أدته سورية تاريخياً في إفشال المخططات الغربية والصهيونية في المنطقة، ولا سيما ما يهدف منها الى تمكين إسرائيل، وضرب روح المقاومة الوطنية، فإن التحرك ضد هذا الدور يأخذ فيها طابعاً جديداً ومغايراً يحشد له الغرب وعملاؤه في الداخل والخارج أخبث الوسائل في ظل متغيرات جديدة في المنطقة والعالم، من أهمها ما تنعم به إسرائيل من انكفاء في مواجهة المشروع الصهيوني، وتراجع العوامل التي تضرب استقراره، والانتقال الى فتح الطريق لاندماجها في المنطقة.
كما أن العمل الجاري على إنهاء التواجد العسكري الأمريكي في العراق قريباً سيؤدي الى تطورات جديدة في المنطقة يصعب معرفة مدخلاتها ومخرجاتها، إضافة الى تقدّم وافد جديد على الحياة السياسية والاجتماعية العربية يتمثّل في الإسلام السياسي الذي يستثمره الغرب ويطور هذا الاستثمار ليكون بديلاً ونقيضاً للمشروع القومي العربي، فيشجع على استلهام الإسلام الأردوغاني بشكل مراوغ ومضرّ.
وفي مناخ الأزمات هذا لا يكون التحرك نحو التغيير مجدياً لشعوب المنطقة عن طريق ما يسمى «الثورات»، بل عن طريق الإصلاح والحوار الوطني الهادف الى رسم استراتيجية اقتصادية وسياسية وطنية تنبع من الداخل بكل معنى الكلمة، وهذا ما يعرفه السوريون جيداً، وهم يميزون بدقة بين الإصلاحات والمطالب المحقّة، وبين الفتنة والجريمة والعمالة، ويعرفون أن الأزمة أكبر من أن تكون محلية، فمَنْ سينقذ هذه الاقتصادات المدمرة في المنطقة، ومن سيخمد لهيب الفتن التي ستمزّق بنية المجتمع والدولة والأمة ؟! هل الغرب.. أم الخليج…
إنه زلزال تحتاج معه المنطقة الى الروية والهدوء والإصلاح بالتدريج.