الموقف الإنساني الأمريكي ؟!
د. عبد اللطيف عمران
انطلقت سورية في استجابتها لمبادرة الجامعة العربية من حرص معهود على تفعيل دور مؤسسات العمل العربي المشترك، وعلى أن يكون الحل عروبياً أولاً في أية أزمة تمر بها البلدان العربية، ومع تقدم ملامح هذا الحل من خلال عدد من الإجراءات التي بدأت تتخذها الحكومة السورية، ومنها دعوة المتورطين بالسلاح لتسليم أنفسهم وأسلحتهم أعلنت الولايات المتحدة موقفاً لا إنسانياً يشجع على استمرار القتل والفتنة والتدخل السافر في الشؤون الداخلية لدولة ذات سيادة، بما يتناقض مع القانون الدولي وحقوق الإنسان وقرارات مجلس الأمن بمكافحة الإرهاب، فطالبت رسمياً المتورطين بعدم تلبية هذه الدعوة.
هذا الموقف الأمريكي البشع لم يأت من فراغ، بل هو في نسق السياسات الأمريكية المعادية للحقوق العربية كافة، وفي سياق الاستمرار بتنفيذ مؤامرات ضد الشعب العربي وشعوب المنطقة تفضي الى مزيد من الفوضى والفتنة والاقتتال الداخلي في عدد كبير من البلدان العربية، والإسلامية، وغيرها أيضاً.
وقد أتت الدعوة الأمريكية لمواجهة الجهود الوطنية والعربية التي بدأت تدرك مخاطر التدخل الأجنبي ولاسيما الأمريكي، وهي دعوة تعرقل الحل السياسي، كما تعرقل مبادرة الجامعة العربية، وهي ليست ضد شعب سورية فقط، بل ضد شعوب الجوار كافة، لأن أمريكا تعرف أن للأزمة أبعاداً عديدة ومتشابكة. وفي حال نجاح الحل العربي الذي سيكون نصراً للعرب وللجامعة العربية، كما أكد وزير خارجية مصر، ستكون أمريكا وحلفاؤها في حرج شديد.
لذلك يغدو التساؤل مهماً عن مكاسب أمريكا من استمرار وجود السلاح في يد عصابات الإجرام، ويبدو أن الأمر أكبر من مكاسب راهنة ومحدودة، فمنذ عام أكدت مجلة Foreign Policy الأمريكية «استياء الإدارة الأمريكية من الانتصار السوري المتحقق بامتياز خلال عقد مضى، وأنه لا بد للإدارة من كبح جماح الشعور بالانتصار الذي يحققه السوريون على أكثر من صعيد». فأمريكا تعرف – وحلفاؤها كذلك – أن سورية عقبة تاريخية في وجه المخططات الأمريكية والصهيونية في المنطقة، وكسر هذه العقبة أمر ضروري للمشروع الصهيو أمريكي فيها.
إذن أمريكا تصدر عن نسق سياسي تاريخي معروف مقترن بالتطرّف، وبالتشجيع عليه، وشعوب العالم تعرف أن قادة أمريكا في كثير من الأحيان أشد من قادة إسرائيل تطرفاً ولا سيما ضد الحقوق والمصالح العربية والإسلامية، فواشنطن تدير الصراع منذ زمن طويل في سورية، وعلى سورية، وفي المنطقة والعالم، ولذلك يغدو قول الرئيس حافظ الأسد: «إن أمريكا “دولة” عظمى، وعليها أن تحمل مبادىء لا مدافع»، في غاية الأهمية، وهي تتحول اليوم الى «قوة» عظمى تحمل مدافع لا مبادىء إنسانية.
إن الموقف الأمريكي الأخير دليل واضح على السياسة الأمريكية الداعمة للقتل والحرب الأهلية، والراعية للعصابات المسلحة، وللمعارضة غير الوطنية التي طالما أكدت الصحف الأمريكية دعم واشنطن لها إمعاناً في التدخل في الشؤون الداخلية لكافة الشعوب.
والأمل معقود على الجامعة العربية، وكافة القوى السياسية والاجتماعية الوطنية والقومية، والأحزاب والمنظمات والنقابات، ووسائل الإعلام والثقافة والفكر، أن تبادر لإدانة هذا الموقف الأمريكي المعادي للسلم الأهلي، والحوار الداخلي، والوفاق الوطني، والذي يؤذي الشعب والمجتمع والدولة لا في سورية وحدها، بل هو خطر إقليمي وعربي وإسلامي وإنساني أيضاً، وهو ليس هفوة من الخارجية الأمريكية، بل من صميم توجهات الإدارة، وعلى جميع الشرفاء والأحرار مناهضة هذا الموقف، والعمل على إنجاح مشروع الإصلاح الوطني الشامل.