التصحيح ومشروع الإصلاح الوطني
د. عبد اللطيف عمران
لا شك في أن نظرية “البعث” وأداءه بحاجة ماسة الى مراجعة ونقد، بعد مضي أربعة عقود من الاستقرار والاطمئنان اللذين وفرتهما الحركة التصحيحية، حيث نعمت البلاد في فترة مضت بنمط من التعددية الحزبية والاقتصادية أسهم في تعزيز مناخ الوحدة الوطنية والوفاق الداخلي، مع غياب المراجعة والنقد على أساس ديمقراطي فاعل، ولم يكن الغياب مطلقاً، فجميعنا يعرف السجال الذي كان يدور بين كوادر الحزب وقياداته حول عدد من المسائل أبرزها القضية التي لم تأخذ حقها من النقاش وهي علاقة الحزب بالسلطة، ولا سيما حين اقتصر مفهوم السلطة على المعنى الرسمي للحكومة.
وكان هناك عدة عوامل غيّبت مفهوم المعارضة الوطنية، وأدخلته في لبس مع مفهوم الجبهة الوطنية التقدمية، والتعددية الحزبية، فغاب حضور هذا المفهوم ودوره لأسباب موضوعية وذاتية، ومن جملتها حجم التحديات التي قابلت النهج الوطني والقومي في سورية. والذي واجهته سلسلة متتالية من المشاريع الخطيرة ولا سيما في القضايا المصيرية العربية التي سجلت سورية خلالها أداء تاريخياً عروبياً لا ينكر.
لكننا الآن في الحزب والدولة نشهد أزمة لم نواجهها من قبل، تتوسع خلالها دائرة استهداف سورية شعباً وحزباً ومجتمعاً ومستقبلاً، يُشوّه خلالها إنجاز التصحيح الذي من الظلم أن يُنكر، ولاسيما أن قطاعات واسعة من الشعب والأمة تدرك ما حققته سورية، وما تحقق لها خلاله، كما يتم تشويه المكاسب والتحولات والتطورات التي شهدتها البلاد بقيادة الرئيس بشار الأسد.
نحن في مرحلة يُساء فيها الى مشروعنا الوطني والعروبي، وإلى فكرنا القومي، وإلى تاريخ حزبنا وأهدافه ومبادئه، وهي مرحلة عارضة ومؤقتة ومنقطعة عن الحقيقة، مرحلة ينسى فيها الكثيرون التعاون الطويل والمستمر بين الغرب والإسلام السياسي المتمتع بشهادة حسن سلوك أوروأمريكية، والذي بدأ بمحاربة المد القومي واليساري والناصرية والبعث.
مرحلة يطلق عليها زوراً الربيع، والثورة العربية، وأيّة ثورة هذه بعض سماتها ؟
ثورة تدعمها أنظمة البترودولار المتهمة من الجماهير العربية بالتبعية والاستبداد. ثورة تفتقر الى كل شيء: النظرية والإيديولوجيا والبرنامج السياسي و….، إلّا المطالبة بالتدخل الغربي. ثورة تلتقي مع التأييد الأمريكي والأوروبي وبالمحصلة وبالمنطق الرياضي مع مصالح إسرائيل. فالثوار وبعض أعلام المعارضة يغني رؤيتهم برنار هنري ليفي، وكذلك الدوائر التي طالما ناضل فكرنا القومي ضدها: الامبراطورية العثمانية والاستعمار الأوروبي.
مرحلة يكون فيها دور مجلس التعاون الخليجي في الجامعة العربية وتميّز الدور القطري، كدور الحلف الأطلسي في الأمم المتحدة وتميّز الدور الأمريكي، وأمريكا وقطر يحمل كل منهما ما يثقله ويربكه ولا يعود على أحد بخير.
وفي هذه المرحلة تقدمت مبادرة الجامعة العربية بشأن سورية مقترنة بدعم الجماعات التي تعمل على تقويض النظام، ومع ذلك أعطت سورية فرصة للحل العربي، وكان القرار: «اتصال الجامعة بالمنظمات الدولية وبالأمم المتحدة وبالتنسيق مع المعارضة» عاراً وجريمة لن تنساه الأجيال العروبية كموقف عمالة وخيانة للشعب والأمة.
في هذه الظروف يغدو برنامج الإصلاح الراهن في سورية ضرورة وطنية وقومية، ولاسيما في أزمة انقسام تعيشها البلاد تطال المعارضة وغيرها، ولا ضير من الاعتراف بأثر هذا على الحزب وجماهيره وفكره وتنظيمه، لكن الحزب بتماسك قيادته والمنظمات والنقابات والجيش العقائدي البطل وإيماناً وتأكيداً على قيادة الرئيس بشار الأسد قادر على معالجة هذه الأزمة، والعمل على بناء نظام سياسي واجتماعي واقتصادي جديد سينتجه مشروع الإصلاح إنتاجاً وطنياً ديمقراطياً قادراً على ترسيخ الوفاق الوطني، وتجاوز أزمة الثقة المجتمعية الراهنة، هذه الأزمات التي يعززها الارتباط بالخارج والتحريض الإعلامي والسياسي والمذهبي، في وضع عربي مريب طارىء يكون خلاله من السذاجة الظن بإمكانية إنجاز الإصلاح والتغيير بسرعة.
في الذكرى 41 للتصحيح، وفي خضم مشروع الإصلاح، وخضم التحديات يبقى الرهان دائماً على سورية بنهجها الوطني الذي لن ينقطع عن عمقه العروبي، وعلى حكمة الرئيس بشار الأسد وشجاعته الذي يبقى ممثلاً أمل الشعب في تحقيق تطلعاته في الأمن والاستقرار، وإنجاز التنمية والتطوير السياسي والاقتصادي والاجتماعي.