برهان وبرنار.. وأوغلو أيضاً
د. عبد اللطيف عمران
وصلت التحديات التي تواجه مشروع الإصلاح الوطني الديمقراطي الشامل في سورية الى ذروتها من حيث تضافر جهود أطراف التحريض والتضليل والتآمر، إضافة الى خطأ القراءة الحقيقية للواقع، وذلك في انسياق أعمى وراء مشروع صهيوأمريكي، وتجاهل للقوة الكامنة في أعماق المجتمع العربي السوري المتميّز بالوعي والالتزام والأصالة الوطنية والقومية.
ولا شك في أن الأيام القليلة القادمة ستحمل مؤشرات، وخطوات واقعية إيجابية في مسار مواجهة الأزمة والتغلب عليها، ستتكشف خلالها أن سورية لاتزال قوية وقادرة على تحقيق مصالح شعبها وأمتها، وعلى المضي في مسيرة الإصلاح الشامل، وتحطيم عوامل الأزمة وخيوط المؤامرة وتبديد جهودها العدوانية على الشعب والدولة والأمة.
لقد صار واضحاً، أمام المجتمع السوري أن التنسيق بين مجلس استنبول وبرنار ليفي وبعض أطراف حكومة العدالة والتنمية في تركيا يصب في اتجاه واحد معادٍ لمصالح الشعب السوري ولحقوقه وتطلعاته، لأن هذا التنسيق ينطلق من ادعاء كاذب بحق تمثيل هذا الشعب بأكمله، ومن رفض فكرة الحوار مع المؤسسات الوطنية، ومن التشكيك بالأغلبية الساحقة من فعاليات المجتمع السوري، ولاسيما بالمعارضة الوطنية الذي يطالبها هؤلاء بصك تبرئة مواقفها، إضافة الى التعامي عن الأخطار والأخطاء الناجمة عن دعم الإرهاب وعصاباته تمويلاً وتدريباً وتهريباً.
وقد كان لقاء مجلس استنبول ببرنار هنري ليفي، وبغيره من امتدادات الناتو والصهيونية مؤشراً واضحاً على أن هؤلاء لا يملكون معطيات التاريخ والجغرافيا، بأبعادها الوطنية، وهم يفتقرون الى كل شيء إلاّ العمالة والتآمر والتحريض ارتهاناً للأجندة الأطلسية في المنطقة والتي لا تخدم إلاّ مصالح اسرائيل. وهذا واقع أكده برنار صديق مجلس استنبول بقوله مؤخراً أمام المجلس التمثيلي للمنظمات اليهودية في فرنسا: إنه يشارك في دعم «الثورات» العربية من موقع يهوديته ومن الوفاء للصهيونية ولإسرائيل.
ومن جهة أخرى فقد أكد أيضاً المشاركون الأتراك في ملتقى الأدباء والصحفيين السوريين والأتراك أن التحوّل في سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية نحو دعم الإرهابيين، وإقامة المعسكرات، ومحاولة الوصاية والمسّ بالسيادة السورية يصدم الشعبين السوري والتركي اللذين يريدان المحافظة على أفضل صورة للعلاقات بينهما، حيث ندّد الملتقى بمواقف تلك الحكومة التي أدت الى انهيار العلاقات بين الدولتين، وإلى توتر الأوضاع في المنطقة بما يخدم الكيان الصهيوني، وبما سيجعل تركيا شريكاً في الخسارة الاستراتيجية الكبرى التي مُني بها المشروع الغربي الصهيوني في المنطقة.
وماسمعناه بالأمس – وقبله – من مواقف رسمية للحكومة التركية يصيب إيديولوجية حزبها ومصداقيته في الصميم من حيث هو حزب مدني في نظام علماني بخلفية ثقافية «وليس مرجعية» إسلامية، فهل تغيرت سورية أمام ناظريهم بهذه السرعة بين 2010-2011، وماهي المفاجأة الكبرى التي لسعتهم واستفززتهم مع المضي الواضح في مشروع الإصلاح. وأين نظرية صفر المشاكل وهم يدفعون بلادهم لتخوض سجالات ومواجهات مع القومية العربية، ومع الكرد، ومع الإخوان والأزهريين والوهابيين، في سياق الانتقال في الحلم من الامبراطوري «العثماني» الى الديني «الإخواني» فالطائفي، وفي سياق الانقضاض المفاجئ على مشاعر الأخوّة والصداقة التي توطّدت مؤخراً بشكل لافت بين الشعبين والدولتين؟؟!
إنه رقص على الجراح ستحتاج معه تركيا الى أتاتورك آخر، كما تحتاج اليوم رسمياً الى أن تعيد النظر وبتعقّل في دورها السلبي في الأزمة السورية – كما يرى كثيرون في الشارع التركي -.
ومع إعلان الناطق باسم الخارجية الأمريكية أن بلاده ستركّز على وسائل الضغط على سورية من خارج مجلس الأمن تتضح أكثر خيوط المؤامرة وأدواتها على سورية الشعب والدولة، فلم يعد هناك من بد لتسمية الأشياء بمسمياتها، ولاسيما بعد الانحياز السلبي الفاضح لقرارات مجلس الجامعة والتي تشكل بتسرّعها وانحيازها وإنذاراتها نسخة عن مخططات وأهداف مجلس استنبول والصهاينة والناتو.
هذا في الوقت الذي يجيب فيه الرئيس بشار الأسد عن تساؤل شباب سورية حول مواقف بعض العرب من سورية: «ليس بجديد علينا.. نحن أصحاب العروبة ولن نتخلّى عنها».
ستنتصر سورية، وهي لم ولن توقّع اتفاقات إذعان ولا استسلام، وستهزم بوحدة شعبها وجيشها وقيادتها السياسية أهداف المؤامرة وأطرافها في وقت قريب.